تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 54 - الجزء 1

  اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} مع أن اللّه تعالى بعثه هاديا ومبينا. وجوابنا ان المراد ليس هو الدلالة لان اللّه تعالى قال {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} بل المراد اللطف لان ذلك ليس في مقدوره ولا يعلم الحال فيه فلذلك قال {وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} ويحتمل ان يريد به الثواب لان ذلك في مقدوره تعالى، فقد كان يغتم إذا لم يؤمنوا فبين ان ان ذلك ليس اليه.

[مسألة]

  وربما قيل إن قوله {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ} كيف يصح ذلك وعندكم ان الشيطان لا يقدر على مثل ذلك. وجوابنا إن مس الشيطان إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب {مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ} كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب وبين ذلك قوله في صفة الشيطان {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} ولو كان يقدر على أن يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول لا إلى من يعتريه الضعف وإذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة فتغلب عليه المرة فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الانس إذا فعلوا ذلك بغيرهم.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله {فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى} فجعل العلة ما يعتري من النسيان وذلك قائم في الرجلين أيضا فكيف يقتصر عليهما في الشهادة وجوابنا ان الأغلب في النساء لنقصهن جواز النسيان وليس كذلك في الرجال فلذلك فصل بين الامرين.