تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 66 - الجزء 1

[مسألة]

  وربما قيل ما معنى يبشرك بكلمة منه وما فائدة تسمية عيسى # كلمة مع أنه جسم والكلمة لا تكون الا عرضا. وجوابنا أن ذلك في وصف عيسى مجاز عندنا والمراد أنه يكون حجة ودلالة كالكلام وان كان في العلماء من يحمله على الحقيقة ويزعم أنه مخلوق من كلمة كن فهو إذا كلمة وربما جعلوه كلمة لا من جنس الكلام والذي قلناه أصوب.

[مسألة]

  ويقال كيف يجوز أن يتكلم في المهد وذلك مخالف للعادة وكيف يقوى لسان الصبي على الكلام ويتكامل عقله. وجوابنا أنه من حيث خرج عن العادة صار معجزا وانما قواه اللّه على الكلام وأكمل عقله في ذلك الحال وجعل ذلك معجزة لشدة الحاجة في براءة ساحة أمه عما كان يذكر عند ولادتها ولو تأخر ذلك لكان مفسدة ومتى ظهر ذلك منه وهو صغير كان أقوى في الباب والبالغ انما يكمل عقله وقوته بعد ذلك، فاللّه تعالى هو قادر على ذلك في حال الصغر وانما لا يفعل في غيره الا في حال الكبر للعادة والمصلحة.

  فان للآباء مصالح في نشوء الأولاد على هذا الترتيب ولولا ذلك لكان الصغير كالكبير في جواز كمال العقل ولذلك يختلف كمال العقل فهو في واحد اسرع منه في آخر.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} لا يجوز ان يكون عيسى خالقا. وجوابنا انه من حيث اللغة كل من قدر فعله ضربا من التقدير يوصف بذلك وان كان من حيث الشرع لا يطلق فيه بل يقيد كمالا يقال إن فلانا رب دون أن يقيد بذكر داره وعبده (فان قيل) أفكان يحيى الموتى كما أضافه اللّه تعالى إليه (قيل) له ليس كذلك لأنه تعالى أضاف اليه خلق الطير من الطين ولم يضف اليه الاحياء بل قال وأحيي الموتى باذن اللّه فأضافه إلى اللّه لما كان هو المحيي عند ادعائه النبوة وانما أضيف اليه من حيث كان هو السبب في ذلك. وجعل من معجزاته أيضا انه ينبئهم بما يأكلون وما