تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 72 - الجزء 1

[مسألة]

  وربما قيل ما معنى قوله {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} ومعلوم ان قبله كانت الدنيا والمنازل. وجوابنا ان معنى قوله {وُضِعَ لِلنَّاسِ} ليعبد اللّه عنده فهو أول بيت وضع لذلك ولذلك قال {وَهُدىً لِلْعالَمِينَ} في وصفه ولذلك قال بعده {فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} ولذلك قال بعده {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وهذا من أقوى ما يدل على أن الانسان قادر قبل أن يحج وقبل دخوله في الحج بخلاف قول المجبرة والقدرية.

[مسألة]

  وربما قيل فلما ذا قال {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} وما المراد بذلك وما الفائدة في أنه غني عنهم إذا كفروا وهذه صفتهم لو آمنوا أيضا. وجوابنا ان المراد ومن كفر بأن جحد وجوب الحج وقصد هذا البيت وبين بقوله {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} ان ما لزمهم عند هذا البيت انما أوجبه لمصالحهم لئلا يقدر أنه تعالى يوجب لا لهذا الوجه فلذلك أطلق قوله بأنه غني عن كل العالمين وقد روى عن رسول اللّه ان المسجد الحرام أول مسجد وضع ثمّ المسجد الأقصى وروي أن اليهود فضلت بيت المقدس على الكعبة وفضل المسلمون الكعبة فنزلت هذه الآية تصديقا لقول المسلمين.

[مسألة]

  ويقال ما معنى قوله {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ومعلوم ان هذين الامرين قد كفر بهما الخلق وهما لا يوجبان ايمان المكلفين فما الفائدة في ذلك.

  فجوابنا ان قوله {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} هو على التوبيخ والذم لهم من حيث كفروا مع ظهور آيات اللّه وظهور أمر الرسول مع أن ذلك يوجب الايمان ايجابا وانما يقتضي أن يختار المرء للايمان وقد ظهرا واتضحا ولذلك قال بعده