تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 84 - الجزء 1

  قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا} كيف يصح ذلك ممن يدين بالإله أن يقول ذلك. وجوابنا أن حكاية اللّه تعالى عنهم وقد ثبتت حكمته لا طعن فيه فمن سلم حكمته فلا كلام له وان لم يسلم دللنا على الأصل ولم نتكلم في الفروع فقد كان في العرب على ما ذكره اللّه تعالى في سورة الأنعام من يقول ذلك حتى يجعل من الانعام نصيبا من اللّه ولا يمتنع في المشبهة أن يكون فيهم من يقول ذلك فإذا جاز أن يدينوا بأنه تعالى رمدت عينه فعادته الملائكة إلى غير ذلك لم ينكر ما حكاه اللّه عنهم، ومن اليهود من يقول بنهاية التشبيه فيصح أن يكون هذا قوله.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} فما الفائدة في أن كرر قوله {وَلا تَحْسَبَنَّ}. وجوابنا أنه قد حكى ان قوما من اليهود كانوا يفرحون باضلالهم الناس واجتماع كلمتهم على تكذيب الرسول ومع ذلك يقولون نحن أبناء اللّه وأحباؤه فقوله أولا {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} أراد به ما ذكرناه أولا وقوله {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} أراد به ما ذكرناه ثانيا ويصح ايراد ذلك إذا طال الكلام بعض الطول فيكون من باب التوكيد الذي يحتاج اليه ثمّ ذكر تعالى قوله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ} والمراد بذلك أن يعتبر الخلق بالنظر في ذلك ويستدلون به على اللّه تعالى وقوله {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ} يدل على أن الواجب على المرء أن لا يفارق ذكر اللّه تعالى على اختلاف أحواله ولذلك قال تعالى {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ويقولون {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا} ولو كان تعالى يخلق الظلم وسائر القبائح لما صح ذلك ولما صح قوله {سُبْحانَكَ} لان معنى ذلك تنزيهه تعالى عن كل سوء كما روى عنه .