تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 92 - الجزء 1

  ان ذلك يدل على أن المتعة تحل كما يحل النكاح. وجوابنا ان من تعلق بذلك فقد اغتر بهذه اللفظة وانما أراد تعالى ان ما أحله من النساء محصنين غير مسافحين فله أن يستمتع ولم يذكر تعالى سبب الاستمتاع في هذه الآية وقد ذكر من قبل في قوله {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} فإنما أباح الاستماع بشرط النكاح على ما ذكرنا ولذلك قال من بعد {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} وذلك لا يليق الا بعقد وقد ثبت فيه الاجر المسمى ولذلك قال {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} يعني بنقصان وزيادة ولذلك قال {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ} فكل ذا يزيل هذه الشبهة وانما ورد في الخبر المتعة وانه أباحه في حال الضرورة ثمّ حرمه وقد حرمه اللّه تعالى في كتابه بقوله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} وظهر عن الصحابة تحريم ذلك فان عمر بن الخطاب خطب بتحريمه على المنبر وأصحاب رسول اللّه متوفرون فصار ذلك كالاجماع وأنكر ذلك علي # لما بلغه إباحة ذلك عن ابن عباس انكارا ظاهرا وقد حكى عنه ¥ الرجوع عن ذلك فصار حظره اجماعا من كل الصحابة وذكر تعالى عقيب هذه الآيات التي بيّن فيها ما يحل وما يحرم من النساء ما يريد من العبادة فقال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً} فبين انه يريد الهداية والبيان والتوبة والعبادة دون اتباع الشهوات فأبطل بذلك قول من يقول إنه تعالى كما يريد الحسن يريد القبيح تعالى اللّه عن قولهم.