باب الضالة واللقطة
  مسألة: (وعليه تعريفها في كل موضع يرجو فيه الظفر بصاحبها، فإن احتاجت إلى إنفاق أنفق عليها، فإذا جاء صاحبُها الذي يصح للملتقط أنه مالكها سلمها إليه وضمن للملتقط ما أنفقه). وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال لأبي بن كعب(١) حين وَجَدَ صُرَّةً فيها مائة دينار: «عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَإِنْ وَجَدْتَ مَنْ يُعْرِفُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ»(٢). وإنما قلنا: إن صاحبَها يضمن الإنفاق عليها، هذا إِذا أنفق عليها ليأخذ العوض من صاحبها؛ وذلك لأن له ضرباً من الولاية عليها؛ بدليل أنه يلزمه حِفْظُها ومنع من يتعرض لأخذها غصباً، فصار بمنزلة ولي اليتيم، والوصي عليه، فكما يكون لهما الرجوع بما أنفقاه كذلك هذا. وأما إذا أنفق عليها منه متبرعاً به لم يكن له الرجوع به، كسائر ما يتبرع به إذا استهلكه من الهبة وغيرها.
  مسألة: (وحكمها في يد الملتقط، حكم الوديعة). وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال فيها: «وَلْتَكُنْ عِنْدَكَ وَدِيْعَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِليْهِ»(٣).
  فصل: ذكر السيد المؤيد بالله قدس الله روحه: أن الْمُلْتَقِطَ متى أيس(٤)
(١) ابن قيس بن عبيد بن زيد، ويصل نسبه إلى النجار، شهد بدراً والمشاهد كلها وقد قال فيه رسول الله ÷: «ليهنك العلم أبا المنذر». اختلف في موته فقيل: في خلافة عمر سنة اثنين وعشرين وقيل: في خلافة عثمان سنة ثلاثين. قال أبو نعيم وهو الصحيح. أسد الغابة ١/ ١٧٠، والإصابة ١/ ٣١، وتهذيب التهذيب ١/ ١٦٩، وتهذيب الكمال ٢/ ٢٦٢.
(٢) شرح التجريد ٦/ ١٨٩، وأصول الأحكام، والبخاري رقم ٢٢٩٤، ومسلم رقم ١٧٢٣، وكذلك الترمذي رقم ١٣٧٤.
(٣) شرح التجريد ٦/ ١٨٩، وأصول الأحكام، والاعتصام ٤/ ٣١٣، والبيهقي ٦/ ١٨٥، والدار قطي ٤/ ٢٣٥.
(٤) مدة التعريف عندنا، والشافعية سنة، وقال أبو حنيفة: الكثيرة سنة والحقيرة ثلاثة أيام.