باب فيمن تقبل شهادته أو ترد
بابٌ فيمن تقبل شهادته أو ترد
  مسألة: (لا تجوز شهادةُ الكافرِ؛ إلا على أهل ملَّتِهِ)؛ وذلك لما روي أن النبي ÷ رجم يهوديتين بشهادة أربعة من اليَهُودِ، شهدوا عليهما بالزِّني(١). وعنه ÷ أنه أَجَازَ شهادةَ اليَهُودِ بعضِهِم لبعض(٢). والكفر ملل متفرقة، فلا تقبل شهادة يهودي على نصراني، ولا شهادة نصراني على يهودي. وكذلك القول في المجوس وغيرهم من ملل الكفر(٣)؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا تُقْبَلُ شَهادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ، إِلاَّ مِلَّةُ الإِسلاَمِ، فَإِنَّها تُقْبَلُ عَلَى المِلَلِ كُلِّهَا»(٤). وذلك يقتضي كونَ الكفر مللاً مختلفة، وأن شهادة بعضهم لا تقبل على بعض، وأن شهادة المسلمين مقبولةٌ على الجميع.
  مسألة: (ولا تجوزُ شهادَةُ الفَاسِقَ(٥) ولا شهادة الصبي)، ولا خلاف في الفاسق، وأصله قوله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢]، والفاسق لا يكون عدلاً، وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢]، والفاسق لا يكون مرضياًّ عند المسلمين. فأما الصبي فلا تُقْبَلُ شَهادَتُه؛ لقول الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ}[البقرة: ٢٨٢]، فاشترط كون الشاهدين
(١) شرح التجريد ٦/ ١٢٢، والشفاء ٣/ ٢٤٩، ومعناه في البيهقي ١٠/ ١٦٥، ونصب الراية ٤/ ٨٥.
(٢) شرح التجريد ٦/ ١٢٢، والشفاء ٣/ ٢٤٩، والبيهقي ١٠/ ١٦٥.
(٣) ذهب الشافعي إلى أن شهادة أهل الذمة غير مقبولة وغير جائزة على وجه من الوجوه، وذهب أبوحنيفة إلى أن شهادة أهل الذمة جائزة بعضهم على بعض، وأجاز شهادة اليهود والنصارى بعضهم على بعض.
(٤) شرح التجريد ٦/ ١٢١، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٢٣٥١ بلفظه، والبيهقي ١٠/ ١٦٣، والدار قطني ٤/ ٦٩، ونصب الراية ٤/ ٨٦ بألفاظ مقاربة.
(٥) قال الحنفية: لو حكم الحاكم بشهادة الفاسق لصح حكمه.