باب آداب القاضي
باب آداب القاضي
  مسألة: (لا ينبغي أن يتقلد القضاءَ بين الناس إلا من جَمَعَ فنوناً حمسة: أحدُهما: العقلُ الوافرُ؛ لأن ناقص العقل لا يُرْشِدُ نَفْسَه، فكيف يرشدُ غيرَه). والأصل في ذلك أن الفرق بين الحق والباطل، الذي هو قاعدة الحكم، يحتاج إلى وفورالعقل، وجودة التمييز، فإذا لم يكن ذا عقل وافرٍ انهدمتْ قاعدة الحُكْمِ، واختل التمييزُ بين الأمور. يوضح ذلك ما روي عن أمير المؤمنين # أن النبي ÷ قال له: «يَا عَلِيُّ، لاَ تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ»(١). فإذا مُنِعَ من القضاء مع الغضب؛ لما فيه من شغل القلب الذي يَضْعُفُ معه التمييز، فبأن يُمْنع من القضاءِ مع اختلالِ العقلِ أولى وأحق.
  مسألة: (والثاني: الرزانة والوقار؛ لئلا يستنفِرَهُ الغَضَبُ والطَّيشُ، فيتعدى الحدود)؛ وذلك لأنه متى كان به طيش، أو عجلة في الأمور، اضطرب عليه رأيُهُ، واخْتَلَّ تمييزُهُ بين الحقِّ والباطلِ، واشتبه عليه الصحيحُ بالسقيم، وذلك يَمْنَعُ من استيفاء الغرض الذي له نَصِبَ القاضي، من فصل ما بين الخصوم، وإنصاف المظلوم، يؤكد ذلك ما روي من قول النبي ÷: «يَا عَليُّ، إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلاَ تَعْجَلْ بِالقَضَاءِ بَيْنهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ»(٢).
  مسألة: (والثالث: الصلاح في الدين، بإقامة الفرائض واجتناب المحارم)، وذلك مما لا خلاف فيه بين المسلمين؛ وذلك لأنه مؤتمن على فصل الحكم في
(١) المسند ص ٢٩٤، وشرح التجريد ٦/ ٧٢، والاعتصام ٥/ ٢٥، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٢٨٢، والبخاري رقم ٦٧٣٩، وأبو داود رقم ٣٥٨٩، ومسلم رقم ١٧١٧، والترمذي رقم ١٣٣٤، و ابن ماجه رقم ٢٣١٦.
(٢) المسند ص ٢٩٤، وشرح التجريد ٦/ ٧١، والشفاء ٣/ ٢٨٢، وأصول الأحكام، والاعتصام ٥/ ٢٥، وأبو داود رقم ٣٥٨٢، والبيهقي ١٠/ ١٤٠، وابن حبان رقم ٥٠٦٥، وفتح الباري ٨/ ٦٥، والنسائي رقم ٨٤٢٠، ومسند أحمد رقم ٨٨٢، والترمذي رقم ١٣٣١.