باب القول في البيوع
بابُ القولِ في البُيوع
  مسألة: (البيوع ضربان: صحيحٌ، وفاسدٌ. فالصحيح: هو ما يحصل فيه العقدُ ممن يجوز تصرفه، على وجه التراضي، بلفظين ماضيين، ويقول البائع: بعتُ، والمشتري: اشتريتُ، ويَعرَى عن وجه الفساد. والفاسد: ما لم يكن كذلك). أما ما ذكرناه في البيع الصحيح، وهو أن يحصلَ العقدُ فيه ممن يجوز تصرفه لعقله ورُشده، ويقع على وجه التراضي من المتعاقدين دون الإكراه، ويكون لفظاه ماضيين جميعاً، ويكون خالياً عن وجوه الفساد التي يأتي ذكرُها من بَعْدُ فمِمَّا لا يظهر خلافٌ بين العلماء في صحة ما هذه حاله، وقد دلَّ على جوازه، قولُه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، وما روي عن أمير المؤمنين # أن رجلاً جاء إلى النبي ÷ فقال: يا رسول الله أيُّ الكسب أفضل؟ قال: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُوْرٍ. وإِنَّ اللهَ تَعَالي يُحِبُّ الْمُؤمِنَ الْمُحتَرِفَ. ومَنْ كَدَّ عَلَى عِيَالِه كَانَ كَالْمُجَاهِدِ في سَبِيْلِ اللهِ»(١). قلنا: والفاسد ما لم يكن كذلك؛ لأن العقد إذا وقع ممن لا يجوز تصرفه كالصبي والمجنون لم يصح، والأظهر أنه إجماع؛ ولأنهما ممن رفع القلم عنه؛ فلم يجز تصرفهما كالنائم، وإذا وقع من غير تراضٍ لم يصح؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩]، فجعل ما لم يكن عن تراضٍ
(١) المسند ص ٢٥٥، والبيهقي ٥/ ٢٦٣ بلفظ: «عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور»، ومثله المعجم الكبير ٤/ ٢٧٦ رقم ٤٤١١، وكذلك المستدرك ٢/ ١٢ رقم ٢١٥٨، ومسند الشهاب ٢/ ١٤٨ رقم ١٠٧٢ بلفظ: «إن الله يحب المؤمن المحترف».