الحروف غير العاملة
  فاعلم أنه قد لفق هذه الحروف وجمعها من جهات شتى، وكان إيراد كل شيء في بابه أليق، ولكنه أوردها بجامع يجمعها وهو كونها يقع بعدها المبتدأ والخبر كثيرا، فلنفسر كلامه، فنقول ما ذكره هاهنا من حروف الابتداء مشتمل على موضعين. الأول: في بيان ما كان منها عاملاً ثم بطل عمله لعارض، والثاني: في بيان مالا يكون عاملاً بحال.
  أما الموضع الأول: وهو في بيان ما كان منها عاملاً ثم بطل عمله لعارض فهذا على وجهين أحدهما: أن يكون عاملاً من قبل ثم يعرض له ما يكف عمله، وهذا كالحروف الستة إذا كفت (بما) في نحو قولك (إنما وأنما ولكنما وكأنما) وسائرها والأعمال في (إنما وأنما) يضعف، وهو مع (لكن وكأن وليت ولعل) أقوى كما قدمنا شرحه وإنما بطل عملها لأجل تعذر المشابهة بينها وبين الفعل.
  وثانيهما: أن تكون عاملة من قبل ثم يعرض لها التخفيف فيبطل عملها كما ذكرنا في (إنَّ وكأنَّ ولكنَّ) فهذه الأمور كانت عاملة، فلما عرض لها هذا العارض بطل عملها، وعادت الجملة إلى ما كانت عليه من قبل من رفعها على الابتداء والخبر ولهذا سميت هذه الحروف حروف ابتداء لأن أكثر ما يرد بعدها المبتدأ و الخبر كما ذكرناه.
  وأما الموضع الثاني: وهو في بيان ما لم يكن عاملاً من قبل، فنحن نوردها واحداً واحداً، ونبين أحكامها، فمنها (أما) ومعناها التفصيل لما أجمله المخاطب في مثل قولك (أما زيد فقائم) و (أمّا عمرو فسائر) وفيها معنى الشرط، ولهذا أتت الفاء في جوابها، والأصل فيها (مهما يكن من شيء فزيد قائم) فحذفت هذه الجملة الواقعة قبل الفاء على طريقة واحده لكثرة الاستعمال ثم التزموا بعد حذفها أن تقع بين (إما) وبين (الفاء) ما يكون كالعوض من هذه الجملة، وذلك الواقع يكون على أربعة أوجه، إما مبتدأ في مثل قولك (أمّا زيدٌ فقائم) وإما مفعولا في مثل قولك (أما زيدا فضربت) وأما متعلقاً للفعل كقولك (أما في الدار فزيد) و (أما في السوق فعمرو) وأما جملة ناقصة في نحو قولك (أما إن كان كذا فسيكون كذا).
  فهذا الواقع يكون على هذه الأوجه، ثم اختلف النحاة في ذلك الواقع على ثلاثة مذاهب. فمنهم من قال إنه أحد أجزاء الجملة الواقعة بعد (الفاء) وإنما قدم لأجل كونه عوضاً من المحذوف.