العطف حروف
  والكلام في الحروف يشمله موضعان الموضع الأول: في بيان معاني ح العطف، والثاني: في كيفية العطف بها.
  وأما الموضع الأول: وهو في بيان معاني حروف العطف، فاعلم أنها في العطف على ثلاثة أقسام.
  القسم الأول: منها للجمع بين الشيئين في حكم واحد وهي أربعة (الواو، والوفاء، وثم، وحتى) وكلها مشتركة في الجمع بين الشيئين كما ذكرنا، وينفرد كل واحد منها بمعنى يخصه، ونحن نعددها واحدا واحدا.
  (فالواو): للجمع المطلق من غير ترتيب، فإذا قلت (قام زيد وعمرو) فجائز أن يكون قيامهما معاً، وجائز أن يكون قيام زيد قبل قيام عمرو وجائز عكسه.
  قال الله تعالى {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}[الأعراف: ١٦١] {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة: ٥٨] والقصة واحدة.
  (الفاء): للتعقيب، وهو أن يكون الثاني بعد الأول من غير مهلة، تقول (مررت بزيد فعمرو) فهي توجب أن يكون مرورك بعمرو بعد مرورك بزيد من غير تراخ بين المرورين.
  (وثم): ومعناها التعقيب، لمهلة تقول (مررت بزيد ثم عمرو) فقد فارقت الواو في أنها تقتضي الترتيب وفارقت الفاء في أنها مؤذنة بالمهلة، قال الله تعالى {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ٢٢}[عبس]. فلما كان الإنشاء متراخياً عن الإقبار حسن دخول (ثم) ولما كان الإقبار عقيب الإماته من غير مهلة حسن موقع الفاء. و (حتي): مثل (ثم) للترتيب والمهلة، وتخالفها في أن معطوفها يجب أن يكون جزءاً من المعطوف عليه، لأن الغرض به كونه غاية للمعطوف عليه ومنتهى، أما أفضله، كقولك (مات الناس حتى الأنبياء) وأما دونه كقولك (قدم الحاج حتى المشاة).