الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم،

عبد الله بن الحسين الرسي (المتوفى: 300 هـ)

[نكاح الزانية والزاني]

صفحة 72 - الجزء 1

  بحديث ضعيف في الآية التي ذكر الله فيها تحريم نكاح الزانية والزاني؛ فزعموا أن رجالاً كانوا يزنون في الجاهلية بنساء كن عواهر، فلما أن حرم الله الزنا أرادوا أن يتزوجوهن فحرم [٦٩ أ - ب] الله ذلك عليهم خاصة لقوله: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً}⁣[النور: ٣]، وهذا حديث لا نعرفه ولم يجيء إلاَّ من جهة واحدة، ثم اختلف أصحاب هذا القول، فقال بعضهم: كان تحريماً عاماً واحداً ثم نسخته الرخصة [٩ ب - أ]، وقال بعضهم: لم يكن التحريم إلاَّ على أولئك خاصة دون غيرهم، وقال بعضهم: بما ذكرت من نسخ الآية وأباحوا نكاح البغايا وإمساكهن، وقال الآخرون: إن الآية محكمة قائمة محرمة، وهذا قولنا وبه نأخذ، غير أن لها عندنا معنى ومخرجاً.

  نقول: إن الله سبحانه إنما ذكر ذلك وحرمه ما كانت مقيمة على فجورها وبغيها، فحرام على المؤمنين نكاحها، وكذلك الفاجر ما كان مقيماً على فجوره فحرام نكاحه مؤمنةً، فإن تابا وصحت توبتهما فلا بأس بإنكاحهما، لا شيء أشد من الكفر بالله، فقد قبل الله التوبة من المشركين، وأثنى عليهم، والمعنى في الآية أنه لا يحل لمؤمن أن ينكح زانية مقيمة على زنائها، ولا يحل لمؤمنة أن تنكح زانياً مقيماً على زنائه، ومعصيته لله⁣(⁣١) فهذا عندنا هو معنى الآية، وهي محكمة، ولقد بلغني من حيث أثق عن أمير المؤمنين ~ [٢١/ ١] أن قوماً اختصموا إليه في رجل تزوج امرأة فزنت قبل أن يدخل بها، أنه فرق بينهما.


(١) رأي المؤلف # قال به قوم من المتقدمين من العلماء، إذ ذهب البعض إلى أن الآية محكمة غير منسوخة، وعندهم: من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته، وإذا زنت الزوجة فكذلك أيضاً. وقال آخرون لا ينفسخ النكاح بذلك، ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا زنت ولو أمسكها أِثم، ولا يجوز التزويج بالزانية ولا من الزاني، بل لوظهرت التوبة فحينئذ يجوز النكاح.

قال في عقود العقيان: قال أبو القاسم: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وهو قول جماعة، منهم سعيد بن المسيب، وادعى أبو علي الإجماع في نسخه، وقال بعضهم: نسخت بالإجماع، يريد الناسخ لها الإجماع، وليس بالوجه عندي؛ إذ الإجماع لا يجوز أن ينسخ القرآن.

عقود العقيان (خ). قال الشافعي: إن قوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا} نسختها الآية التي بعدها {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب. نواسخ القرآن (١/ ١٩٨).