[شهادة أهل الذمة]
[شهادة أهل الذمة]
  وأما ما اختلف فيه من ناسخ قول الله ø ومنسوخه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}[المائدة: ١٠٦](١)، فزعم قوم: أنها في أهل الذمة وأنها محكمة، واحتجوا في ذلك بحجج منها حديث تميم الداري(٢) وأخيه النصرانيين [٣٧/] وهما(٣) من لخم(٤) وكانا تاجرين إلى مكة والمدينة، ثم خرجا إلى الشام ومعهما ابن أبي مارية(٥) مولى عمرو بن العاص حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض بن أبى مارية، فكتب وصيته بيده
(١) للصحابة والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال:
الأول: أن شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية، وهذا قول عبد الله بن قيس، وابن عباس من الصحابة، وشريح، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، وعبيدة، ومحمد بن سيرين، والشعبي، ويحيى بن يعمر، والسدي من التابعين، ومن الفقهاء سفيان الثوري، ومال إليه أبو عبيدة لكثرة من قال به.
الثاني: أن الشهادة كانت في ابتداء الإسلام، ثم نسخ وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال، وهذا يعني أن الآية منسوخة، وممن قال به زيد بن أسلم ومالك بن أنس والشافعي.
الثالث: أنها كلها للمسلمين إذا شهدوا، وهو قول الزهري.
الرابع: أن الآية ليس في الشهادة التي تؤدى، وأن الشهادة ها هنا بمعنى الحضور، واحتج قائله بأن الشاهد لا يكون عليه يمين في شيء من الأحكام غير هذا المختلف فيه، فيرد الاختلاف فيه إلى ما أجمع عليه؛ لأنه يقال: شهدت وصية فلان أي حضرت.
الخامس: أن الشهادة ها هنا بمعنى اليمين. انظر: عقود العقيان (٢/خ)، تفسير الطبري (٥/ ١٠٠) وما بعدها، نواسخ القرآن (١٥١ - ١٥٢)، النسخ في القرآن (٢/ ٧١٩)، النحاس (١٢٥ - ١٣٠)، العتائقي ص (٦١ - ٦٢)، هبة الله (١١٨)، ابن حزم (٣٦)، تفسير القرطبي (٦/ ٣٤٦ - وما بعدها)، الخازن (٢/ ٨٧ - ٨٨).
(٢) هو: تميم الداري صاحب رسول الله ÷، أبو رقية، تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي، الفلسطيني، والدار: بطن من لخم، ولخم: فخذ من يعرب بن قحطان، وفد سنة تسع فأسلم، وله عدة أحاديث، وكان عابداً، تلاَّءً لكتاب الله، توفي سنة (٤٠ هـ) وحديثه يبلغ (١٨) حديثاً منها في (مسلم) حديث واحد. انظر: سير أعلام النبلاء (٢/ ٤٤٢ - ٤٤٨).
(٣) هما: عدي بن بداء، وتميم بن أوس. انظر: الإصابة (٢/ ٤٧٦ ت ٥٤٧٣) (١/ ١٨٣ ت ٨٣٧)، وعند لفظ: (وهما) نهاية [١٧ أ - أ].
(٤) من قبائل العرب أصلها من اليمن، أخت جذام، رحل بعضهم إلى شمال جزيرة العرب وسورية وفلسطين والعراق، وأسسوا الدولة اللخمية في الحيرة التي عاشت في حروب متواصلة مع الغساسنة. اعتنقوا المسيحية، وتحالفوا مع البلاط الفارسي وعملوا على صيانة الحدود، تلاشت دولتهم بعد وفاة النعمان (٦٠٢ م)، انتقلوا إلى الإسلام بعد الفتح العربي، اشتركوا في اليرموك وصفين، وحملة يزيد بن معاوية على الحجاز. انظر: المنجد في اللغة والأعلام، ص (٦١٢).
(٥) هو: بديل مولى عمرو بن العاص واسمه: بديل بن أبي مريم.