[خروج المعتدة بغير عذر]
  فقال قوم أنها محكمة وأن الإمام فيهم بالخيار إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، وقال آخرون: إن هذه الآية منسوخة نسخها قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]، والقول عندنا أنها منسوخة، وأن الواجب أن يحكم بينهم بما أنزل الله، والذين قالوا بقولنا أنها منسوخة أكثر ممن قال أنها محكمة، غير أنهم أجمعوا - الذين قالوا بالنسخ - بنسخ هذه الآية، والذين قالوا أنها محكمة أن الحكم بينهم بما في كتاب الله(١)
  وقد بلغني عن مجاهد(٢) وغيره أنه [١٤ أ - أ] قال: لم ينسخ من المائدة إلاَّ آيتين: أحدهما قوله: {وَأَن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]، نسخت قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢]، والأخرى قوله: {لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ}[المائدة: ٢]، نسخها قوله ø: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥].
  قال عبد الله بن الحسين ª: وما أكثر من قال من العلماء أن آخر
(١) اختلف العلماء حول هذه الآية على قولين:
الأول: أنها منسوخة؛ إذ أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي ÷ كان مخيراً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ...}[المائدة: ٤٨]، فلزمه الحكم وزال التخيير، وروى هذا أبو سليمان الدمشقي بأسانيده عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والسدي، وروي أيضاً عن الزهري وعمر بن عبد العزيز.
الثاني: أنها محكمة وأن الإمام ونوابه مخيرون في الحكم، وإذا ترافعوا إليهم إن شاؤا حكموا بينهم وإن شاؤا أعرضوا عنهم. انظر: عقود العقيان (٢/خ)، نواسخ القرآن (١٤٦ - ١٤٨)، النحاس (١٢٣ - ١٢٥)، العتائقي (٦٠ - ٦١)، ابن حزم (٣٦)، ابن العربي (٢/ ٢٠١ - ٢٠٢)، تفسير الخازن (٢/ ٤٦)، ابن كثير (٢/ ٩٧ - ١٠٣)، ابن الجوزي في زاد المسير (٢/ ٣٦١)، التبيان لابن أبي النجم.
(٢) هو: أبو الحجاج المكي، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، روى عن ابن عباس، وعنه أخذ القرآن والتفسير والفقه.
قال أبو نعيم: مات مجاهد وهو ساجد سنة (١٠٢ هـ) وقيل: (١٠٠ هـ) وقيل: خلاف ذلك. انظر:
سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٤٩ - ٤٥٧)، وقول مجاهد أنه لم ينسخ من المائدة إلا آيتان ... احتج به النحاس. عن مجاهد عن ابن عباس قال: نسخت من هذه السورة ... إلخ. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٢٣ - ١٢٤).