[القصاص بين الجاهلية والإسلام]
  قال عبد الله بن الحسين ª: وبهذا القول أقول، وهو عندي إن شاء الله الصواب ولكلٍ معنى، أما قوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فإنما ذلك على أن أنفس الأحرار متساوية فيما بينهم، ليس لأحد على أحد فضل عند القتل، أنفسهم واحدة، وكان هذا القول [٧ أ - جـ] حُكم حَكمَ الله به في أنفس الأحرار دون أنفس العبيد، وأخبر أن دماء الأحرار متكافئة، وأن أنفس العبيد متساوية ومتكافئة فيما بينهم دون الأحرار؛ وذلك لقوله سبحانه: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى}[البقرة: ١٧٨].
  وقد بلغني من حيث أثق به [٣٥/ ١] أن رجلاً من المسلمين اختصم هو وزوجته فلطمها؛ فاجتمع أولياؤها إلى النبي ÷ فسألوه القصاص، فهمَّ النبي ÷ أن يقتصهم منه، فأنزل الله سبحانه: {الرِّجَالُ [٧٤ ب - ب] قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ...} الآية [النساء: ٣٤]، فقال رسول الله ÷: «أردنا شيئاً فجاء الله بخير منه» فصرفهم ولم تقتص المرأة من زوجها(١)، فميز الله ø بينهم، وفرق بين الحر والعبد والرجل والمرأة، ولمن أجمع معنا على هذا القول أكثر ممن خالفنا من الذين يرون القصاص من العبد والحر في النفس وحدها.
  قال عبد الله بن الحسين ª: ومما احتج به [١٥ أ - أ] على من ذكرت ممن خالفنا قول الله سبحانه: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة: ٤٥]، والكلام نسق يتبع بعضه
(١) الحديث أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (١١١)، وانظر: جامع البيان (٤/ ٦٠)، زاد المسير (٢/ ٧٣ - ٧٤)، الدر المنثور (٢/ ١٥١)، كما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن، وأخرج عبد بن حميد والفرياني وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم يطول، ولفظه عند الواحدي قال: قال مقاتل نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وكان من النقباء، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة وهما من الأنصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي ÷ فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي ÷: «لتقتصن من زوجها» فذهبت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي ÷: «ارجعوا هذا جبريل # أتاني» وأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال الرسول ÷: «أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير» ورفع القصاص.