الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الباب الثاني في ذكر الدلائل الإفرادية وبيان حقائقها

صفحة 61 - الجزء 2

  وثالثها الإيجاز ب [حذف بعض اللفظ]،

  وهذا إنما يكون واردا على جهة السماع لا يقاس، وهذا إنما يكون في الألفاظ التي تستعمل على جهة الكثرة دون ما عداها وهذا كقولهم:

  عم صباحا، في «أنعم صباحا» وقوله لم يك حاصلا لك درهم، قال الله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ}⁣[غافر: ٨٥] لأن الجازم إنما يحذف الواو كما يحذف من قولنا: لم يقل لالتقاء الساكنين، والنون حذفها من أجل الإيجاز والاختصار، وهكذا قولنا «لم أبل» فإن الأصل فيه أبالي فحذفت الياء للجازم كما تحذف من قولنا «لم أمار» في، أمارى، ثم حذف الألف على غير قياس على جهة التخفيف، وقد جاء في المنظوم حذف بعض الكلمة كما قال بعض الشعراء⁣(⁣١):

  كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدّم، بسبا الكتّان ملثوم

  أراد بسبائب الكتان فحذف إيجازا وهذا كله لا يقاس عليه، وإنما يقر حيث ورد.

  النوع الخامس في الإيجاز بحذف الأجوبة،

  وذلك يأتي في أمكنة كثيرة،

  أولها [حذف جواب «لولا»]

  وذلك نحو قوله تعالى في آخر آية اللعان: {وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ١٠}⁣[النور: ١٠] فجواب لولا هاهنا محذوف تقديره لما ستر عليكم هذه الفاحشة ولما هداكم إلى مصلحة اللعان بالحكم فيه بهذا الحد، ولهذا عقبه بقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} بالستر عليكم، {حَكِيمٌ} بإعلامكم بما يتوجه على الملاعن، ومثله قوله تعالى عقيب حديث الإفك: {وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}⁣[النور: ٢٠] وتقديره لعجّل لكم العذاب بسبب افتراء الكذب والتقول بما لم يكن، ولهذا قال عقيبها: {وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ٢٠}⁣[النور: ٢٠] حيث لم يعاجل بالعقوبة: {رَحِيمٌ} بما ألهم من المصلحة بالحد في القذف،

  وثانيها [حذف جواب «لما»]

  وهذا كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ١٠٣ وَنادَيْناهُ}⁣[الصفات: ١٠٣ - ١٠٤] فإن جواب لأمّا هاهنا محذوف، تقديره فلما أسلما وتله للجبين، كان هناك ما كان مما تنطق به الحال، ولا يحيط به الوصف، من رفع البلاء وكشف الكربة،


(١) البيت لعلقمة بن عبدة في ديوانه / ٧٠، ولسان العرب (سبب)، (ب ر ق) وتاج العروس ٣/ ٣٧ (سبب)، ٢٥/ ٤٣ (ب ر ق)، والمخصص ١٥/ ١٦٧.