تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 200 - الجزء 1

  ليستدل بها على قدرته وليعرف ما يلزم من شكره وعبادته وجعل جل وعز ذلك مبطلا لقول من أنكر الإعادة فلذلك قال {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}.

[مسألة]

  وربما قيل ما فائدة قوله تعالى {وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ} وانما يحسن ذلك منا لأنا لا نقدر على التعذيب والمنع الا بالآلات.

  وجوابنا انه تعالى يزجر المكلف عن المعاصي بما جرت العادة أن يعظم خوفه لأجله كما يرغب في الطاعة بما جرت العادة به من الملاذ والمناظر والا فهو قادر على أن يؤلم المعاقب بغير هذه الأمور.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} أما يدل ذلك على أن كل شيء مخلوق من جهته. وجوابنا انه تعالى ذكر ذلك بقوله {اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ} فبين بعده ان كل شيء عنده بمقدار لأنه عالم بكل ذلك وقد يقال عنده ويراد به في علمه كما يقال ذلك ويراد القدرة ويراد الفعل ولذلك قال بعده {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} أليس ذلك يدل على أنه الفاعل لهذه التغيرات.

  وجوابنا انه أضافها إليهم كما أضافها إلى نفسه والمراد انهم إذا غيروا طريقتهم في الشكر والطاعة غير اللّه تعالى أحوالهم بالمحن وغيرها زجر بذلك المكلف عن المعاصي. فان قيل فقال بعده {وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ} وذلك يدل على أن السوء من عنده. وجوابنا ان المراد المحن والشدائد وتوصف بالسوء مجازا وليس في الآية انه يفعل ذلك وانما فيها انه إذا أراده لا مرد له لان ما يريده اللّه تعالى يكون أبدا بالوجود أولى إذا كان ذلك المراد من فعله. فأما إذا أراد من عباده الطاعات فإنما يريدها على وجه اختيار وقد يجوز أن لا تقع لسوء اختيار المكلف.