تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 218 - الجزء 1

  وإنما يخلق ما يخلقه لمصالح المكلفين. وجوابنا أن ما لا يعلمه الملائكة قد يكون صالحا لنا وقد يجوز فيما يخلقه أن يكون نفعا لنا وان لم نعلمه أو نفعا لبعض الحيوان أو تفضلا فلا يلزم ما قالوه.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ} كيف يصحّ في قصد السبيل أن يكون على اللّه وكيف يصح أن يكون منها جائر. وجوابنا أنه تعالى لما بيّن من قبل نعمه وبين من جملتها الأنعام والخيل والبغال وكيف خلقها نفعا للمكلفين قال بعد ذلك إن على اللّه قصد السبيل والمراد بيان ما يلزم المكلف وإزاحة سائر علله فلا يجوز أن يكلفه ما لا يصح إلا بالأنعام وغيرها إلا ويخلقها له وكذلك سائر ما يحتاج اليه وبيّن بقوله ومنها جائز أن في جملتها ما يخرج المكلف عنه ويعصى مع أن في جملتها ما يقبل ويطيع ولو شاء {لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ} بالالجاء لكن ذلك لا ينفع.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ} أما يدل ذلك على أنه لا فعل إلا للّه. وجوابنا أنه تعالى بيّن من قبل أصناف النعم من انزاله الماء وإنباته أنواع الخيرات والثمرات وتسخيره الليل والنهار والبحر وما فيها من النعم والنجوم ودلالتها على الأمور فقال بعده تنبيها للخلق عما يلزم شكره وعبادته {أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} فبعث بذلك على عبادة اللّه تعالى وبكّت به من يعبد الأصنام وغيرها ممّا لا تصحّ منه هذه النعم ولا يدخل في ذلك أفعال العباد لأنه نبّه بذلك على أن الواجب أن يفعلوا الطاعة والشكر والعبادة وكيف يكون نفس الفعل خلقا من قبل اللّه تعالى ولذلك قال بعده {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} فبين أن الذي قدم ذكره من نعمه هو قليل من كثير النعم التي يفعلها اللّه تعالى حالا بعد حال في جسم الانسان وحواسه وجوارحه وغير ذلك ثمّ قال {وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} يخوّف بذلك