تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 239 - الجزء 1

  الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} كيف يصح ذلك وإنما ذكر تعالى فيه بعض الأمثال. وجوابنا ان ذلك مبالغة كقوله تعالى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ومذهب العرب في ذلك معروف والمراد من كل مثل يحتاج العباد اليه في أمر دينهم وما هذا حاله موجود في القرآن من صفات الأمور الدنيوية وصفات الآخرة وغيرهما وقوله تعالى {وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} يدل على أنه الفاعل فيصح أن يجادل عن نفسه ولو كان كل تصرف مخلوقا فيه لما صح ذلك وقوله تعالى {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا} من أقوى الأدلة على أن الايمان فعلهم والامتناع منه كذلك لأنه لا يصح أن يقال للمرء ما منعك أن تكون طويلا صحيحا أو مريضا لما كان ذلك من خلق اللّه فيه وقوله تعالى من بعد {إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى} يدل على أن الهدى هو البيان والدلالة ويدل على أن الاهتداء بهذا الهدى من قبله وقوله تعالى من بعد {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} يدل على أن العبد يستحق على فعله الطاعة ما يبشر به من الثواب وعلى المعصية ما ينذر به من العقاب ولو كان الأمر كما يقوله المجبرة في أنه ø يخلق الافعال فيهم وان له أن يعاقب من أطاعه ويثيب من عصاه لما صح ذلك وقوله تعالى {وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} لا يصح لولا أن الكفر من قبلهم ولو كان اللّه هو الخالق له فيهم لكان لهم أن يقولوا لا عيب علينا في ذلك وان كان باطلا لأن اللّه جل وعز خلقه فينا ولما صح أن يقول تعالى {وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً} وقد منعوا من خلاف ذلك وقوله تعالى من بعد {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها} كيف يصح أن يبالغ تعالى في وصفه بظلم نفسه وهذا الاعراض من قبل اللّه تعالى ولو شاء خلاف ذلك لما صح وبعد ذلك وصفهم بالاكنة والوقر لمّا لم يقبلوا ما أمروا به على وجه المبالغة والمراد ان ذلك ما يؤنس منهم ان يختاروه فصاروا بمنزلة ما لا يفقه ولا يسمع ولذلك قال تعالى {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} ثمّ بيّن تعالى رحمته بتأخير العقاب عنهم