تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 240 - الجزء 1

  وهذه حالتهم فقال {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ} ولذلك يوصف تعالى بأنه حليم محسن إلى من أساء كما أنه محسن إلى من أحسن فيمهل ولا يعجل لئلا يكون للمعاصي حجة يتعلق بها وليصح أن يقال له ما أوتيت فيما قدمت عليه الا من قبل نفسك وقوله تعالى {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} يدل على أن وعيده تعالى حق لا يقع فيه خلف.

[مسألة]

  وربما قيل كيف قال تعالى {فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما} فأضاف النسيان اليهما ثمّ قال تعالى من بعد {قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا} ثمّ قال {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} حاكيا عن فتاه ثمّ قال تعالى {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} وذلك كالمتناقض.

  وجوابنا انه تعالى أضاف اليهما النسيان لما بلغا مجمع بينهما ثمّ أضاف ذلك إلى الفتى لما جاوزا وإذا اختلف الحالان صح وقد يصح فيما تحمله المسافران أن ينسب الحال فيه اليهما لما كان لا يتم ذلك إلا بهما وقوله تعالى {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ} دليلنا على أن الفعل للعبد لأنه لو كان خلقا للّه تعالى لكان قوله لو قال وما أنسانيه إلّا الرحمن أولى وأصوب ومتى قيل النسيان عندكم من فعل اللّه تعالى فكيف يصح ذلك. فجوابنا ان المراد بالنسيان هنا التقاعد والاهمال وذلك من فعل العبد فعلى هذا الوجه حصلت الإضافة.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} كيف قطع في ذلك وهو أمر مستقبل لا يعرفه إلا علّام الغيوب.

  وجوابنا ان ذلك من قول صاحب موسى وكان نبيّا فيجوز انه تعالى عرفه ذلك ويحتمل انه لما كان عارفا بأن الذي يفعله من خرق السفينة وقتل الغلام بالغ في التعجب منه مبلغا عظيما وان ذلك مما يتعذر الصبر عن معرفة علته {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} لما قوي ذلك في ظنه ولذلك قال تعالى {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} وقول موسى