[مسألة]
  ولذلك قال تعالى {وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ} يعني الملكين {حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} فبين ان مرادهم بتعليم السحر لا أن يعمل به ثمّ قوله تعالى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وهو ذم لمن يتعلم من الملكين فلا يتحرز بل يعمل به فهو بمنزلة أن يعرف من الرسول الزنا وغيره من الفواحش فبعضهم يعمل بذلك فلا يخرج بيان النبي ﷺ لذلك من أن يكون حسنا فكأنه قال {وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} واتبعوا {ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} فيما يعملون على وجه الذم لهم. وقد روي عن الحسن انه كان يقرأ {وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ} ويقول كانا علجين أقلفين يأمران بالسحر ويتمسكان به والقراءة المشهورة خلاف ذلك وقد قيل في تأويله ان المراد واتبعوا ما تتلوا الشياطين أي تحكي وتخبر على ملك سليمان وما أنزل على الملكين ببابل فكأنهم كما كذبوا على ملك سليمان كذبوا أيضا على ما أنزل على الملكين لا أنهما أنزلا ليعلما السحر ويكون قوله {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما} أي من السحر والكفر والوجه الأول أقوى.
  فان قيل وما السحر الذي هو كفر أتقولون ان جميعه كفر أو بعضه وما حقيقته. قيل له ان السحر في الأصل هو ما لطف مأخذه مما يقصد به الاضرار والاحتيال لكن في الناس من يوهم انه يفعل ما لا حقيقة له كما يدعي بعضهم أنه يطير بلا جناح ويركب المكانس وغيرها فيبعد بالوقت اليسير وانه يخيط الناس ويصور المرء بخلاف صورته إلى ما شاكل ذلك وهو قال ﷺ (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقهما فيما يقولان فقد كفر بما أنزل على محمد) لأنهم يوهمون انهم يعلمون الغيب وذلك كذب منهم ربما صدق في هذا الزمان بعض المنجمين في مثل ذلك وهو عظيم يوجب الطعن في نبوّة الأنبياء À الذين انما عرفت نبوّتهم بان أظهروا علم الغيب نحو قوله ø في وصف عيسى # {وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ} فمن أوهم ذلك فهو كافر في