تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 370 - الجزء 1

  وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} المراد به مع اليومين المتقدمين فلا يكون ذلك مخالفا للآيات الأخر وقد يقول المرء لولده أليس علمتك القرآن في سنة وفقّهتك في الدّين في سنتين يعني مع التي تقدمت فأما قوله تعالى من بعد {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} فالمراد به قصد خلق السماء فالاستواء في الحقيقة لا يصح على اللّه تعالى وقوله تعالى {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} فالمراد أنه أراد منهما الانقياد لما يريده فاستجابا وذلك كقوله تعالى {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} والمراد أن تكون وقد يقول القائل أردت كذا وكذا فقالت نفسي لا تفعل وقد يقال أتت السحاب فأمطرت قال الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطني. وذلك كقوله تعالى {جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} وكل ذلك ظاهر في اللغة وإنما يلتبس على من يقل تأمله وقوله تعالى {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} يدل على أنه تعالى قد هداهم بأن دلهم وبين لهم وأنهم لما لم يقبلوا لم يهتدوا فالاهتداء فعلهم والهدى من قبل اللّه تعالى لا كما يقول من خالفنا في ذلك وزعم أن الهدى هو الايمان وقوله تعالى {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} فالمراد به الردع عن المعاصي لأنه إذا فعلها بهذه الجوارح شهدت عليه في الآخرة وقد ذكرنا من قبل أن هذه الشهادة من فعل اللّه تعالى فيها وقوله تعالى {قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فالمراد به ما ذكرنا من أنه فعل فيها ما صورته صورة الشهادة وقوله تعالى {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} فالمراد به ما كنتم تظنون ذلك ولذلك قال تعالى {وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} وقوله تعالى من بعد {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} فالمراد به التخلية فلما لم يمنعهم من ذلك جاز أن ينسبه إلى نفسه وذلك كقوله تعالى {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}