تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 385 - الجزء 1

سورة الجاثية

[مسألة]

  إن اللّه جل وعز جمع بقوله تعالى {إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} بيّن كل الأدلة على اللّه تعالى لأنها إما بالنظر في الأجسام فيعلم أنها محدثة من حيث لا تنفك عن المحدثات ويعلم أن فاعلها مخالف لها وإما بالنظر في أنفسنا بتجدد أحوالها على من برأها وإما بالنظر في سائر الدواب والحيوان فيعلم بتغير أحوالها المدبر لها ولا دليل على اللّه تعالى إلا وقد دخل تحت ما ذكرناه ولكنه تعالى أراد ذلك أيضا بذكر اختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّه من السماء من رزق وتصريف الرياح ثمّ قال في آخره {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ} فبيّن أن العدول عنها إلى سائر الأحاديث ترك لما يجب من النظر ثمّ قال تعالى {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وتوعد على ترك هذه الطريقة فقال تعالى {يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} وكل ذلك بعث من اللّه تعالى على النظر والتذكر في هذه الأدلة وفي هذه النعم ليقوم بشكرها ثمّ قال من بعد محققا لما ذكرنا {هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} فأشار إلى ما تقدم من الأدلة وبيّن أنها هدى ولولا أنها هدى للكافرين لما توعدهم بالعذاب إذا عدلوا عنها ثمّ اتبعه بقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} نبّه تنزيه القرآن (٢٥)