تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 386 - الجزء 1

  بذلك على أن الغفران يكون من قبلهم إذا تمسكوا من طاعة اللّه بما يوجب الغفران ثمّ قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} فنبه بذلك على أن أمر الآخرة موقوف على هذين فمن عمل صالحا فله الجنة ومن أساء فهو من أهل النار.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} كيف يصح أن ينهاه عما تمنع النبوّة منه. وجوابنا ان النبوة لا تمنع من القدرة على ذلك والتمكن منه وإنما لا يختاره فالنهي عن ذلك يصح ويكون أحد ما يدعو النبي إلى ترك ذلك وقوله تعالى من بعد {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً} يدل على أن الوعيد لاحق بهم وانهم من أهل العذاب لأنهم لو صاروا من أهل الجنة لكان تعالى قد سوى بينهم.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} كيف يصح اتخاذ الهوى إلها؟ وجوابنا أنه يطيع الهوى ويعدل عن طريقة العقل وذلك تشبيه يحسن في اللغة ومعنى قوله تعالى {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ} أنه أضله عن الثواب إلى العقاب ومعنى قوله تعالى {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً} ما قدمناه من العلامة التي يفعلها اللّه تعالى وقد تقدم القول في ذلك وقوله من بعد {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من أقوى الصوارف عن المعاصي فإنها إذا تفرقت على الأوقات ثمّ جمعت في الصحيفة عظمت على من عرضت عليه وقوله تعالى من بعد {ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} يدل على أن الأعراض عن الآيات من أعظم الذنوب وكذلك الاغترار بالدنيا.