شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب في النفقة

صفحة 164 - الجزء 1

  معسرين، والآخر: أن يكون الموسر وارثاً له). أما اشتراطُ الإسلام في من عدا الأبوين من الأقارب الذين تلزم نفقتهم فلا خلاف فيه؛ ولأن الحقوقَ التي بين المسلمين والكفارِ منقطعةٌ؛ لاختلاف الدينين. وأما الأبوان فلا خلاف أيضاً في وجوب نفقتهما إذا كانا معسرين على الولد، سواءٌ كانا مسلمين أو كافرين، وقد دل عليه قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}⁣[القمان: ١٥]، وليس من المعروف أن يَشْبَعَ ويَجُوعَا، ولا أن يكتسِيَ ويَعْرَيَا. وأما الشرط الثاني وهو: أن يكون الموسِرُ وارثاً للمعسر، فالدليل عليه قول الله سبحانه وتعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ولا شك أنه إنما نفي مضارّة الوالدين بولدهما فيما يتعلق بالإنفاق؛ لأنَّ سائرَ وجوهِ الْمَضَارِّ يستوي في حظرها الأولاد وغيرهم من الناس، وقد أوجب سبحانه على الوارث مثلَ ما أوجَب على الوالدين من ذلك بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، فصحَّ ما قلناه.

  مسألة: (وإذا كان له ورثةٌ كثير وجب عليهم النفقة على مقادير ما يستحقونه من الإرث، ويلحق بذلك نفقةُ المرضعة للصغير من هؤلاء الأقارب الموسرين)؛ والأصل فيه قوله سبحانه: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، فعلَّق وجوبَ هذا الحق بالوارث، فإذا كانوا جماعةً لزمهم على مقادير مواريثهم. وإنما قلنا: يلحق بذلك نفقة المرضعة؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، فأوجبها على الأب، ثم قال بعد هذا: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، فاقتضى هذا الظاهرُ أن الوارث يلزمه كما يلزم الأب من هذا الحق.