باب القول في الطلاق
  ÷ أنه جعله تطليقةً واحدة، ولا شك أنه لا يكونُ خلعاً إلا إذا كان على عوض منها. قلنا: ولا يحل له أخذ العوض عند النشوز إلا أن يكون النشوز من قِبَلِهَا؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩]. قلنا: ولا يحل له أن يأخذ إلا ما كان واجباً بالنكاح، كالمهر والنفقة؛ وذلك لما رُوِيَ أن امرأةً(١) أتتْ إلى النبي ÷ ولها زوج يقال له: ثابت(٢)، فقالت: والله ما أَعِيْبُ على ثابت في دين ولا خُلُقٍ، وإني لأكره الكفر في دين الإسلام، وأنا لا أطيقه بُغْضاً، فقال رسولُ الله ÷: «أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ»(٣). قالت: نعم، فأَمره النبي ÷ أن يأخذ منها ما ساق إليها ولا يزداد. وقلنا: أو تابعاً للنكاح، كنفقة الأولاد وتربيتِهم؛ ولا خلاف في جواز احتمالها بذلك إذا كان معلوماً، ويجوز عندنا أيضاً وعند الأكثر من الفقهاء وإن كان مجهولاً، كما أن الجهالة في أعواض النكاح لا تمنع من صحته، والجامع بينهما أن كل واحد منهما عوض عن البضع، فيجب أن يَصِحَّ هذا مع الجهالة، كما صح في مهر المثل مع ضربٍ من الجهالة.
(١) جميلة بنت بن عبدالله بن أُبي بن سلول. انظر الاستيعاب ٤/ ٣٦٤، وأسد الغابة ٧/ ٥٥، والطبقات الكبرى لابن سعد ٨/ ٣٨٢.
(٢) ابن قيس بن شماس الخزرجي، خطيب الأنصار، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر سنة ١٢ هـ. انظر الاستيعاب ١/ ٢٧٦، وأسد الغابة ١/ ٤٥١، والإصابة في تمييز الصحابة ١/ ٩٩٧، وتهذيب التهذيب ١/ ١١.
(٣) الأمالي ٢/ ١٢٠٤، وشرح التجريد ٣/ ١٣٣، وأصول الأحكام، والشفاء ٢/ ٢٩٨، والبخاري رقم ٤٩٧١، وابن ماجه رقم ٢٠٥٦، والبيهقي ٧/ ٣١٣.