شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب القول في البيوع

صفحة 192 - الجزء 1

  من جملة ما يُؤْكَلُ بالباطل، وقال النبي ÷: «لاَ يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلاَّ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ»⁣(⁣١). واعتبرنا اللفظين الماضيين؛ لما ثبت أن البيع مفارق للسَّوْمِ، ومعلوم أن السوم يكون بلفظ الاستقبال، كقول البايع: أبيعُ مِنْكَ هذا بكذا، وقول المشتري: بع هذا مني بكذا؛ فيجب أن يكون البيع بلفظين ماضيين لتثبت المفارقة، ولا تقع إلا بالإيجاب والقبول.

  مسألة: (ووجوه الفساد من البيع ضربان: أحدهما: يرجع إلى العقد، والآخر: يرجع إلى المعقود عليه، فالذي يرجع إلى العقد ثلاثة أمور: وهي الرِّبى والغررُ والجهالةُ)، وهذه قسمةٌ يأتي بيانها في أثناء المسائل، فمتي ثبت كونُ هذه الأقسام مقتضية لفساد العقود صحت القسمة في ذلك.

  مسألة: (والربى ثلاثةُ أقسام: أحدها: بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلاً سواء كان يداً بيد أو نَساً). والأصل في ذلك ما ورد عن النبي ÷ أنه قال: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةُ مِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ، والبُرُّ بِالبُرِّ مِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ، والشّعِيرُ بِالشَّعِيْرِمِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ، والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ، والْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثلٍ يَداً بِيَدٍ». وفي بعض الأخبار: «الفَضْلُ رِبَي» وفي بعضها «من زَادَ فَقَدْ أَرْبَي»⁣(⁣٢)؛ وذلك يقتضي تحريمَ الزيادة والنسيئة في بيع الجنس بعضه ببعض، ويوجب كون ذلك من الربى. ولا خلاف في ثبوت الربى في هذه الأشياء المنصوص عليها، وسائر الأشياء المكيلة


(١) الشفاء ٣/ ٥٣، وأصول الأحكام، والاعتصام ٤/ ٤٩٩، والبيهقي ٨/ ١٨٢، وفتح الباري ١٢/ ٢٣٩، والدار قطني ٣/ ٢٦، ونصب الراية ٤/ ١٦٩.

(٢) المسند ص ٢٥٧، والأحكام ٢/ ٣٨، والشفاء ٢/ ٤٢٢، والأمالي ٢/ ١٢٣٩، وشرح التجريد ٤/ ٤٩، وأصول الأحكام، والاعتصام ٤/ ٦١، ومسلم رقم ١٥٨٤، والترمذي رقم ١٢٤٠، والبيهقي ٥/ ٢٨٤.