شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب الغصب

صفحة 253 - الجزء 1

  الله روحه ليس له إلا أَخْذُهُ وأَخْذُ الأرش في الأحوال كلِّها⁣(⁣١). ووجه ذلك أنَّ عين ماله باقيةٌ فلزمه أخذُها ولم يكن له خيار، كما لو ذهب أقل المنافع، ويلزمه الأرشُ لما جني؛ لمثل ما تقدم من أنه مضمون عليه، سواء كان ذلك مما يتعلق به غرضٌ أم لا؛ ولأنه جانٍ في الأحوال كلِّها فلزمه ضمانُ الجناية.

  مسألة: (وإذا استهلك ما غصبه حتى أخرجه عن بابه نحو أن يكون بَذْراً فيزرعَه، أو نوىً فيغرسه حتى صار نخلاً، أو قطناً فيغزله وينسجه ثوباً، وما أشبه ذلك، فعليه ضمان ما استهلكه من ذلك بِرَدِّ مثل ما له مِثْلٌ، وقيمة ما له قِيْمَةٌ، ويكون أولى بهذه المغصوبات المستهلكة). والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه زار قوماً من الأنصار، فذبحوا له شاة وصنعوا له طعاماً، فأخذ من اللحم شيئاً ليأكلَه فمضغه ساعة لا يسيغه⁣(⁣٢)، فقال: ما شأن هذا اللحم؟ قالوا: شاة لفلان حتى يجيء فنرضيه ثمنها، فقال ÷: «اذْهَبُوا بِهَا فَأَطْعِمُوهَا الأُسَارَي»⁣(⁣٣)؛ فاقتضى ذلك أن مثل هذا العمل في المغصوب - وهو طبخه وما صنع فيه - يكون استهلاكاً له يُوجِبُ كونَه للغاصب، فلولا ذلك لما أمر بإطعامه الأسارى، فإنه لو كان باقياً على ملك صاحبه لوجب رده عليه. ولا شك أن زرع الغاصب للبذر، وغرسه للنوى ونسجه للثوب هو جارمجرى ما فعله هؤلاء النفر في الشاة، وزائدٌ عليه. فصح ما قلناه من ملك


(١) ذكره في شرح التجريد ٤/ ٢٣٧.

(٢) في (ب، ج) مضغه ساعة لا يسيغه.

(٣) شرح التجريد ٤/ ٢٤٤، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ٧٨، والاعتصام ٤/ ٢٤، ونصب الراية ٤/ ١٦٩، وأبو داود رقم ٣٣٣٢ بلفظ مقارب، ومثله في البيهقي ٦/ ٩٧، والدار قطني ٤/ ٢٨٥، وشرح معاني الآثار ٤/ ٢٠٨، و مسند أحمد رقم ٢٢٥٦٢.