باب الكفارات
  مسألة: (والكفَّارة بالإطعام نوعان: تَمْلِيْكٌ، وإِبَاحةٌ. فالتمليك أن يَدْفَعَ إلى كلِّ واحدٍ من المساكينِ نصفَ صاع من بُرٍّ، أو صاعاً من شعير أو ذرة، أو نحو ذلك من الحبوب. والمسكين متى صارالطعامُ إليه أكله كيف شاء). وإنما قلنا: إنها نوعان: تمليك وإباحة؛ لأنه لا فرق بين من مَلَّكَ الفقيرَ مقداراً من الطعام، وبين من أحضره على طعامه فأكل منه؛ فإنه يوصف بأنه قد أطعمه، فيكون كل واحد منهما عاملاً بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وقلنا: في تقدير الطعام الذي يُمْلَكُ ما ذكرنا؛ لما روي عن النبي ÷ أنه جعل في فدية الحج لكل مسكين نصف صاع من حنطة(١)؛ فثبت أن ذلك إطعام كل مسكين؛ ولما روي عن أمير المؤمنين # في الكفارة أنه قال: «يغديهم ويعشيهم نصف صاع من بر أو سويق أو دقيق، أو صاعاً من شعير»(٢). ولا شك أن سائر الأطعمه تجري مجرى الشعير. وقلنا: يأكله المسكين كيف شاء؛ لأنه قد صار مالكاً له فله أن يأكله متفرقاً أو مجتمعاً.
  مسألة: (والإباحة(٣) أن يصنع لهم المكفر الطعام في بيته مأدوماً من أوسط ما يأكله هو وأهله، ثم يغديهم ويعشيهم مقدار ما يكفيهم). وإنما قلنا بذلك؛ لأنه متى فعل ما ذكرنا صح وَصْفُهُ بأنه أطعمهم، فيكون ممتثلاً لحكم الآية. وقلنا: يكون غداء وعشاء مأدوماً من أوسط ما يأكله هو وأهله؛ لقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}؛ لأن ذلك هو الوسط لأن أكثر أكلات اليوم ثلاث، وأقلها أكلة واحدة، فالوسط أكلتان في اليوم، وروي عن أمير
(١) الاعتصام ٤/ ٢٩٧، والشفاء ٣/ ١٠٤، وأصول الاحكام، ومسند أحمد رقم ١٨١٤٥.
(٢) المسند ص ٢١٤، وشرح التجريد ٥/ ٨١، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ١٠٦.
(٣) قال الشافعي: لا تجزي الإباحة بل لا بد من التمليك.