شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب التذكية بالذبح وغيره

صفحة 279 - الجزء 1

  حرامٌ. فأما قوله سبحانه: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}⁣[المائدة: ٥]، ففيه وجهان من التأويل: أحدُهُمَا: أنه عني بذلك ما لم يذكوه من الأطعمة ولا يتناول اللحم، وهذا هو الظاهر؛ لأن إطلاق اسم الطعام لا يَنْصَرِفُ إلى اللحم، ولهذا يقال: هذا سوقُ الطعامِ؛ فلا يُفْهَمُ منه: سوق اللحم، والثاني: أنه عنى بذلك قوماً كانوا قد آمنوا من أهل الكتاب، وجائزٌ أن يُسَمِّيَهُمْ من أهل الكتاب مع الإيمان، كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ}⁣[آل عمران: ١٩٩]، وقال: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ١١٠}⁣[آل عمران: ١١٠].

  مسألة: (والخامس: ذَكَاةُ الحيتان: وهي أن تفارق الماءَ حيةً، أو يكونَ موتُها بسبب من الصائد، وما وُجِدَ منها ميتاً بغير سبب، وطفا فوق الماء لم يَجُزْ أكلُه⁣(⁣١)). والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «ما أَلقَاهُ البَحْرُ أو جَزَرَعَنْهُ فَكُلْهُ فَلاِ بَأسَ بِهِ، وَمَا وَجَدتَهُ طَافِياً فَلاَ تَأْكُلْهُ. وهو محمول على ما ألقاه البحرُ أو جَزَرَعنه وهو حيٌ، ثم مَاتَ من بعد؛ لأنه لو ماتَ في البحر بغير سبب من الصائد لكانَ كالطافي الذي نُهِيَ عن أكلِه»⁣(⁣٢). قلنا: وما مات بسبب من الصائد حل أكله؛ لأنه يكون صيداً له، فيدخل تحت قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}⁣[المائدة: ٩٦]، ولا فرق بين أن يكون الصائدُ لصيدِ البحر مُسلماٍ أو كافِراً في جواز أكل صيده، وذلك مما وقع الإجماع عليه


(١) وقالت الحنفية: إنه يكره، وقال مالك والشافعي لا بأس به.

(٢) شرح التجريد ٦/ ٢٠٤، وأصول الأحكام، والشفاء ٣/ ١٣٩، الاعتصام ٤/ ٣٢٩، وأبو داود رقم ٣٨٥١، ابن ماجه رقم ٣٢٤٧، والبيهقي ٩/ ٢٥٥، والدار قطني ٤/ ٢٦٨.