باب ما يحل من الأطعمة والأشربة أويحرم
  معه الْمَضَرَّةُ كالسمومات، وما جرى مجراها، فذلك لما روي عن النبي ÷ أنه نهى أن يأكل الإنسانُ من الطين ما يَضُرُّهُ(١)، وهذا يقتضي أن النهيَ وَقَعَ عن ذلك؛ لأجل المضرِة، ولا شك أن المضرةَ من السموماتِ أعظم، فكانت بالتحريم أولى؛ ولما روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: أَتَى رسولَ الله ÷ نفرٌ، فسأل أكبرهم: «ما اسْمُكَ»؟ فقال: اسمي وايل، أو قال: آفل. قال: «بَلِ اسْمُكَ مُقْبِلٌ»، ثم قال: يا رسول الله، إنَّا أهلُ بيتٍ نُعَالِجُ بِأرضنا هذا الطب، وقد جاء الله بالإسلامِ، فنحن نَكْرَهُ أن نُعَالِجُ شيئاً إلا بإذْنِك، فقال: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، إِلاَّ السَّامَّ والْهَرَمَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْقُوا دَواكم مالم تَسقُوا مُعْنِتاً»، فقلت: وما الْمُعْنِتُ؟ قال: «الشَّيْءُ الَّذِي إِذَا اسْتَمْسَكَ فِي الْبَطْنِ قَتَلَ، فَلَيْس يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَهُ وَلاَ يَسْقِيَهُ»(٢).
  مسألة: (ويحل من الأشربة ما لا يُسكرالكثير منه، وما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرامٌ)؛ وذلك لقوله تعالى لما ذَكَرَ الْخَمْرَ: {فَاجْتَنِبُوهُ}، وقولِه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}[البقرة: ٢١٩]. وإذا ثبت بذلك تحريمُ الخمرِ فكلُّ مسكرٍ فَهُوَ خَمْرٌ؛ لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. فَثَبَتَ بذلك تحريمُ كلِّ مسكر؛ ولما روي عن علي # أنه قال: قال رسول الله ÷: ما أَسْكَرَ كَثِيْرُهُ فَقَلِيْلُهُ
(١) شرح التجريد ٦/ ٢٣٨، وأصول الأحكام، والأحكام ٢/ ٤٠٦.
(٢) أبو داود رقم ٣٨٥٥، والمعجم الكبير ١/ ١٨٤ رقم ٤٨٢، والمستدرك ٤/ ٤٤٣ رقم ٨٢١٤، والنسائي رقم ٧٥٦٦، ومسند أحمد رقم ١٨٤٧٧، وابن حبان رقم ٤٨٦ بألفاظ مقاربة.
(٣) شرح التجريد ٦/ ٢٤٠، وأصول الأحكام، والشفاء ص ١٨٠، والاعتصام ٤/ ٣٨٩، والبيهقي ٨/ ٣٠٦، و نصب الراية ٤/ ٢٩٥، و تلخيص الحبير ٤/ ٧٣.