شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب ما يحل من الأطعمة والأشربة أويحرم

صفحة 283 - الجزء 1

  معه الْمَضَرَّةُ كالسمومات، وما جرى مجراها، فذلك لما روي عن النبي ÷ أنه نهى أن يأكل الإنسانُ من الطين ما يَضُرُّهُ⁣(⁣١)، وهذا يقتضي أن النهيَ وَقَعَ عن ذلك؛ لأجل المضرِة، ولا شك أن المضرةَ من السموماتِ أعظم، فكانت بالتحريم أولى؛ ولما روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: أَتَى رسولَ الله ÷ نفرٌ، فسأل أكبرهم: «ما اسْمُكَ»؟ فقال: اسمي وايل، أو قال: آفل. قال: «بَلِ اسْمُكَ مُقْبِلٌ»، ثم قال: يا رسول الله، إنَّا أهلُ بيتٍ نُعَالِجُ بِأرضنا هذا الطب، وقد جاء الله بالإسلامِ، فنحن نَكْرَهُ أن نُعَالِجُ شيئاً إلا بإذْنِك، فقال: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، إِلاَّ السَّامَّ والْهَرَمَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْقُوا دَواكم مالم تَسقُوا مُعْنِتاً»، فقلت: وما الْمُعْنِتُ؟ قال: «الشَّيْءُ الَّذِي إِذَا اسْتَمْسَكَ فِي الْبَطْنِ قَتَلَ، فَلَيْس يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَهُ وَلاَ يَسْقِيَهُ»⁣(⁣٢).

  مسألة: (ويحل من الأشربة ما لا يُسكرالكثير منه، وما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرامٌ)؛ وذلك لقوله تعالى لما ذَكَرَ الْخَمْرَ: {فَاجْتَنِبُوهُ}، وقولِه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}⁣[البقرة: ٢١٩]. وإذا ثبت بذلك تحريمُ الخمرِ فكلُّ مسكرٍ فَهُوَ خَمْرٌ؛ لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. فَثَبَتَ بذلك تحريمُ كلِّ مسكر؛ ولما روي عن علي # أنه قال: قال رسول الله ÷: ما أَسْكَرَ كَثِيْرُهُ فَقَلِيْلُهُ


(١) شرح التجريد ٦/ ٢٣٨، وأصول الأحكام، والأحكام ٢/ ٤٠٦.

(٢) أبو داود رقم ٣٨٥٥، والمعجم الكبير ١/ ١٨٤ رقم ٤٨٢، والمستدرك ٤/ ٤٤٣ رقم ٨٢١٤، والنسائي رقم ٧٥٦٦، ومسند أحمد رقم ١٨٤٧٧، وابن حبان رقم ٤٨٦ بألفاظ مقاربة.

(٣) شرح التجريد ٦/ ٢٤٠، وأصول الأحكام، والشفاء ص ١٨٠، والاعتصام ٤/ ٣٨٩، والبيهقي ٨/ ٣٠٦، و نصب الراية ٤/ ٢٩٥، و تلخيص الحبير ٤/ ٧٣.