باب الإقرار
  «لَعْلَّكَ لَمَسْتَ، لَعْلَّكَ قَبَّلْتَ»(١). فدلَّ ذلك على أن رجوعه مقبول، وكذلك سائر الحدود مقيسة عليه، ولأنه لزمه الحد بإقراره فإذا رَجَعَ قُبِلَ رجوعُهُ، كما إذا رجع عن الردة.
  مسألة: (ولا يحد في الزنى، حتى يُقِرَّ أربعَ مراتٍ، ولا يُقْطَعُ في السرِقَةِ حتى يُقِرَّمرتين). أما الزنى فلما روي أن رسول الله ÷ ردَّ ماعز بن مالك حين أقرَّ بالزنى، حتى أقرَّ أربع مرات، فلو صح إقرارُه بدون ذلك لأقام عليه الحدَّ، ولَمَا ردَّهُ؛ لقوله ÷: «لاَ يَنْبَغِي لِوَالٍ أَنْ يُؤتَى بِحدِّ إِلاَّ أَقَامَهُ»(٢). قلنا: ولا يقطع السارق في السرقة حتى يُقرَّ مرتين؛ لما روي عن النبي ÷ أنه أُتِيَ بلصٍّ اعترف بالسرقة، فقال له النبي ÷: «مِا إخَالُكَ سَرَقْتَ». فقال: بلى يا رسولَ الله، فأعاد عليه رسولُ الله ÷ مرتين أو ثلاثاً(٣). وروي عن أمير المؤمنين # أنَّ رجلاً أقرَّ عِندَه بالسرقة مرتين، فقال: «شَهِدتَ عَلَى نَفْسِكَ شَهَادَتَيْنِ» فأمر به فَقُطِعَ(٤). فاقتضى ذلك أن الإقرارَ يجب أن يكون مرتين في السرقة؛ لأنه حقٌّ لله تعالى محضٌ، فوجب أن يكون عددُ الإقرارِ به كعدد الشهود عليه، كما في حدِّ الزنى، ولا خلاف أن شهادةَ السرقة يجب أن تكون شهادة رجلين، والإقرارُ في شُرْبِ الخمر يجب أن يكون مرتين أيضاً؛
(١) الشفاء ٣/ ٣٤٤، وأصول الأحكام، والبخاري رقم ٦٤٣٨، وأبو داود رقم ٤٤٢٧، والبيهقي ١/ ١٢٣، والدار قطني ٣/ ١٢١، وابن خزيمة ١/ ٢٠ رقم ٣٠.
(٢) شرح التجريد ٥/ ٩١، والشفاء ٣/ ٣٢٠، والبيهقي ٨/ ٣٣١، والمعجم الكبير ٩/ ١٠٩ رقم ٨٥٧٢، ومسند أبي يعلى رقم ٥١٥٥، ومسند الحميدي ١/ ٤٨ رقم ٨٩ بألفاظ مقاربة.
(٣) شرح التجريد ٥/ ١٣٧، والشفاء ٣/ ٣٥٠، وأصول الأحكام، وأبو داود رقم ٤٣٨٠، وابن ماجه رقم ٢٥٩٧، وشرح معاني الآثار ٣/ ١٦٨، ومسند أحمد رقم ٢٢٥٦١، والبيهقي ٨/ ٢٧١.
(٤) شرح التجريد ٥/ ١٣٧ وأصول الأحكام، وشرح معاني الآثار ٣/ ١٧٠ رقم ٤٩٨٠.