باب فيمن تقبل شهادته أو ترد
  من رجالِنا، والصبيان لا يُطْلَقُ عليهم اسمُ الرجال، ولهذا يقال: هذا رجل، وهذا صبي. فَيُفَرَّقُ بينهما، فإذا كان من صفات الشاهدَين المذكورين أن يكونا رجلين، لم يكن الصبيانُ من أهل الشهادة.
  مسألة: (ولا) شهادة (من يَجُرُّ إلى نفسه بشهادته نفعاً، أو يدفع عنها ضرراً)؛ وذلك لما روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: «لاَ تَجوزُ شهادةُ مُتَّهَمٍ، ولا ظَنين، ولا مَحدودٍ في قذف، ولا مُجَرَّبٍ في كَذِبٍ، ولا جارٍّ إلى نفسه، ولا دَافعٍ عنها»(١)؛ ولأنه يصيرُكالشاهد لنفسه، فلو قُبِلَتْ شهادتُه، لكان قد أُعْطِيَ بدعواه، وقد منع من ذلك الخبرُ المتقدمُ في الدعوى.
  مسألة: (ولا) تجوز (شهادة الأعمى إلا فيما لا يُحتاج إلى النظر فيه)؛ وذلك لما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا تَشْهَدْ عَلَى شَهَادِةٍ حَتَّى تَكُونَ أَضْوَأَ مِن الشَّمْسِ»(٢). وذلك يقتضي أن لا يشهد إلاَّ فيما لا يُحتاج في معرفته إلى البصر؛ لأنه يكون قد شهد بما لا يعلم، وهذا كشهادته على الأفعال: من القتل والجراح وغير ذلك، إذا وقع في حال عماه لم يَجُزْ له أن يشهد على فاعله. وأما ما لا يحتاج في معرفته إلى البصر، فإن كان ثابتاً بالاستفاضة كالموت والنسب، وما جرى مجراهما، قبلت شهادته فيه على كل حال. وما كان ثابتاً بالإقرار والمعاينة، وكان قد عَلِمَه قبل ذهاب بصره قبلت، وإلا لم تقبل؛ وذلك لأنه إذا شَهِدَ بما قد علمه، قُبِلَتْ شهادته؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: ٨٦]، وما لم يكن علم لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فيه؛ لما تقدم من الخبر.
(١) المسند ص ٢٩١، وشرح التجريد ٦/ ١٢٠، و أصول الأحكام.
(٢) أصول الأحكام، وشرح التجريد ٦/ ١٣٥.