شرح نكت العبادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب آداب القاضي

صفحة 298 - الجزء 1

  الأموال والحقوق، والدماء والفروج، فأقل أحواله أن تكون له عدالة الشهود الذين يجوز الحكم بشهادتهم، كيف والعدالة تنتهي إليه، ونفاذ الأحكام يصدر عن قوله.

  مسألة: (والرابعُ: العِفَّةُ عن المطامع التي تُدْخِلُ عليه التهمة، وتقدَحُ في العدالة)، وذلك وإن كان داخلاً في صلاح الدين، فإنما أفردنا ذكره، لأن تأثيرَهُ في باب القضاءِ عظيمٌ، ومتى لم يكنْ عَفِيْفاً عن المطامع، أفسد الأحكام، واتَّبَعَ هوى نفسِهِ، قال الله سبحانه وتعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ٢٦}⁣[ص: ٢٦]. فَأَلْحَقَ سبحانَه الوعيدَ الشديدَ بمن تبع هواه، والحاكِمُ إذا أَلِفَ المطامعَ صارَ حُكْمُهُ تابعاً لهواه، وروي عن النبي ÷ أنه قال لعلي #: «يَا عَلِيُّ، لاَ تَقْبَلْ هَدِيَّةَ مُخَاصِمٍ، ولاَ تُضَيّفْهُ دُوْنَ خَصْمِهِ»⁣(⁣١).

  مسألة: (والخامس: العِلْمُ الذي به يَصْلُحُ للقيامِ بفصل الأحكام، ولن يتم ذلك إلا بأن يكونَ عالماً بأصول الدين وفروعه، حتى يكون من أهل الاجتهاد). والأصل في ذلك، ما روي عن النبي ÷ أنه بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: «كَيْفَ تَقْضِي بَيْنَهُم؟»، قال: أقضي بينهم بما في كتاب الله سبحانه. قال: «فَإِنْ لَمْ يَكُن في كِتَابِ الله؟»، قال: ففي سنة رسول الله ÷ قال: «فَإِنْ لَمْ يَكُن في سُنَّةِ النَّبِي ÷؟» قال: فأجتهد رأيي، لا آلو. فضرب صدره، وقال: «الْحَمْدُ لله الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسولَ اللهِ


(١) المسند ص ٢٩٤، وشرح التجريد ٦/ ٧٣، الشفاء ٣/ ٢٨٢، والاعتصام ٥/ ٢٥، وأصول الأحكام.