باب دفع الجنايات وما يلزم في ذلك
بابُ دَفْعِ الْجِنَايَاتِ وما يَلزَمُ في ذلك
  مسألة: وإذا صَالَ جملٌ أوغَيرُهُ من البهائم على إنسان، ولم يندفع ضررُه عنه إلا بقتله، جاز له قتلُهُ ولا ضمانَ عليه. وكذلك إذا تعدَّى عليه رجلٌ وطَلَبَ قتلَه أو أَخْذَ مالَه، فلم يمكنه دفعُهُ إلا بقتله، جاز له قتلُه ولا شيء عليه. والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه سُئِلَ عن رجلٍ عَضَّ يدَ رجل ظلماً، فانتزع المعضوضُ يَدَهُ من فِيهِ، فقلع سناً من أسنانه، فقال: «أَيَدَعُ يَدَهُ في فِيْكَ تَقضَمُهَا، كَأَنَّها في فَمِ فَحْلٍ؟»(١). ولم يقض فيها بشيء. وعن أمير المؤمنين # نحوٌ من ذلك(٢)، فاقتضى هذا أن الدَّافِعَ للضرر عن نفسه لا يلزمه ما جناه، مما لا يندفع الضرر عنه إلا به، وذلك مما لا خلاف فيه أيضاً.
  مسألة: (وإذا اصطدم فارسان أو رجلان في طريق، فقتل كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، كانت ديةُ كلِّ واحد منهما على عاقلة الآخر. وكذلك القول في السفينتين، فإنَّ دِيَةَ كلِّ واحد من أصحابهما على عواقل الآخرين(٣))؛ وذلك لأن كل واحد من الفارسين مات بجناية صاحبه، وهي لاحقةٌ بجناية الخطأ، فلزمت العاقلةَ. وكذلك الكلام في أصحاب السفينتين، والمراد به الْمَلاَّحةُ الذين يُجرون السفن، دون المالِكَينِ لهما ودونَ الراكِبِين فيهما؛ لأن الجناية تكون من المصرفين لهما، فلزمت الديةُ عواقلَهم، كما تلزم عواقلَ الفارِسَيْنِ.
(١) الأمالي ٣/ ١٥٠٥، وشرح التجريد ٥/ ٢١٠، وأصول الأحكام، والبخاري رقم ٢٨١٤، ٢١٤٦ ورقم ٤١٥٥، ومسلم رقم ١٦٧٣، ومسند أحمد رقم ١٩٨٦٤، وابن ماجه رقم ٢٦٥٧.
(٢) المسند ص ٣٤٧، وشرح التجريد ٥/ ٢١٠، وأصول الأحكام.
(٣) قال الشافعي: يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر.