النوع الرابع: في أفعل التفضيل وفعل التعجب
  هذه الأفعال فقالوا (هو أسرع انطلاقاً) و (أكثر استخراجاً)، و (هوا أحسن قرطسة)، و (أظهر دحرجة) ويقولون في التعجب، (ما أكثر استخراجه، وأحسن انطلاقه)، وكذلك سائر الأمثلة على هذا المجرى. الشريطة الثانية: أن يكون فعلهما ليس بلون ولا عيب فلا تقول (هو أسود منك ولا أعور)، ولا تقول في التعجب أيضاً (ما أسوده و أعوره)، وإنما تصنع في ذلك كما صنعت فيما زاد على الثلاثة، بأن يصاغ فعل ثلاثي ثم يوضح بمصادر هذه الأفعال، فتقول (ما أشد سواده، وأقبح عوره) وتقول (هو أشد سواداً، وأقبح عوراً)، وإنما امتنع ذلك، لأن أفعل في مثل هذه الأفعال، قد يكون لغير التفضيل، بأن يكون صفة مشبهة باسم الفاعل من نحو عور فهو أعور، وحمق فهو أحمق، وعرج فهو أعرج، فلو بني منه أفعل للتفضيل لا لتبس بما ذكرنا، فلهذا تركوا بناء أفعل للتفضيل من هذه الأفعال كراهة اللبس. ألا ترى أن الجهل هو أعظم العيوب وقد سوغوا في صيغته التفضيل والتعجب، فقالوا: ما أجهله، وهو أجهل من كذا لما كان لا يصاغ منه أفعل لغير التفضيل، لأن اسم التفضيل منه أفعل نحو أجهل، واسم الصفة نحو جاهل، فلهذا جاز فيه ذلك، فإذا عرفت هذا فاعلم أن أفعل التفضيل مشتمل على فوائد ثلاث:
  الفائدة الأولى: في حقيقته، وذكر مواقعه، أما حقيقته فهو الاسم المشتق من (فعل) (المختص) بالزيادة على غيره وقولنا الاسم المشتق عام في سائر الأسماء الاشتقاقية، وقولنا لمختص بالزيادة على غيره يخرج عنه سائر الأسماء المشتقة فإنها ليست كذلك، فلهذا تقول هو أكثر علماً، وأوسع صدراً، وأعظم حلماً، ومعناه الزيادة في هذه الخصال. وأما بيان مواقعه: فاعلم أن القياس فيها أن يكون مختصاً بالفاعل لأمرين: أما الأول: فلأن اهتمامهم بالفاعل أكثر، والتزامهم لبيانه أعظم وأوفر، فلهذا كان اختصاصه بالفاعل قال سيبويه: لأنهم ببيان الفاعل أهم وأعنى. وأما ثانياً: فلأنهم لو أوقعوه في المفعول يخرج بعض الأفعال عن