الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم،

عبد الله بن الحسين الرسي (المتوفى: 300 هـ)

[الإذن بقتال المشركين وفرض الجهاد]

صفحة 109 - الجزء 2

  وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}⁣[التوبة: ٢٩].

  ثم غلظ أمر الجهاد وشدد فيه، ومنع المؤمنين من الاستئذان والترك للجهاد، وضيق ذلك عليهم بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}⁣[التوبة: ٤٤]، فلما نزلت هذه ضاق الأمر على الناس جداً، فنسخها الله تعالى بقوله: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}⁣[النور: ٦٢].

  فجاءت الرخصة بعد التغليظ، وجعل النبي ÷ بالخيار فيهم، وكان أيضاً مما نسخ قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ [١٠ - ب - جـ] صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}⁣[الأنفال: ٦٥]، بقوله: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}⁣[الأنفال: ٦٦].

  فكانت الأمور على هذا والناس يسألونه ويذهبون ويجيئون لما كان بين رسول الله ÷ وبين المشركين [٢٢ أ - أ] من الموادعة والمعاهدة، ولما أمر الله به من ذلك قوله تعالى حين أنزل براءة وأمر رسول الله ÷ أن يقطع تلك الموادعة والمعاهدة [٨١ أ - ب]⁣(⁣١) وأن يؤذنهم بالحرب بعد انقضاء المدة التي جعل لهم من الأربعة الأشهر أولها: يوم عرفة إلى عشر من ربيع الآخر، وذلك قول الله ø: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}⁣[التوبة: ٣]، وذلك يوم عرفة.


(١) الموادعة: المصالحة، والمعاهدة: المواقفة.