[الوصية]
  قال عبد الله بن الحسين ª: والحجة عندي على من قال بهذا، ما فعل رسول الله صلى الله [٨٦ ب - ب] عليه وآله وسلم في رجل أوصى بعتق ستة [٢٧ ب - أ] أعبُد لم يكن يملك غيرهم، [٥٧/ ٢] فأعتق رسول الله ÷ منهم اثنين(١) فكيف جاز ذلك وهم عبيد الميت لا نسب بينهم وبينه، ولا قرابة؟! وقد أنفذ العلماء جميع الوصايا إلى من أوصى له من قريب أو بعيد، لم يسألوا عن نسبه ما لم يكن وارثاً.
  وكيف يصح هذا والله يقول: {إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}[الأحزاب: ٦] ولا يختلف في أن المعروف الذي ذكره الله تعالى إنما يثبت بالوصية، والأولياء غير القرابة على ما ذكرنا وفسرنا، وليس القريب يسمى ولياً، وإنما يمسي الأقرباء عصبة، وليس يلتفت أحد إلى هذا القول لضعفه، وقد أجمع من أجمع من الناس أنه لا وصية لوارث، واحتجوا في ذلك بما قد ذكر من الأخبار عن النبي ÷ منها أنه قال في حجة الوداع: [٥٨/ ٢] «لا وصية لوارث»(٢)، قد نسخ الله ذلك بآية المواريث، وقد قال قوم: إن الوصية للوارث جائزة(٣)، واحتجوا في ذلك بحجج كثيرة ليس هذا موضعها، وللإمام في ذلك نظر وتفصيل(٤).
(١) أخرجه أبو داود في سننه (٣/ ١١٤) رقم (٢٨٧٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٢٦٦)، والطبراني في الكبير (١٨/ ٤٠٦، ٤٠٨، ٣٤٢)، عبد الرزاق (١٦٧٦٣) وأحمد (٤/ ٤٣٩).
(٢) أخرجه أبو داود (رقم ٢٨٧٠) وقد سبق تخريجه تفصيلاً في موضوع نسخ العدة.
(٣) قال الإمام الهادي في كتابة (الأحكام) باب [القول في الوصية للوارث]: وإنما أراد رسول الله ÷: «لا وصية لوارث» التسوية بين الورثة، فأما الثلث فله أن يوصي به لمن شاء من قريب أو بعيد، وإذا جازت الوصية للقريب والبعيد فالقريب أجدر أن يجوز له، وإنما حظر رسول الله على الموصي أن يوصي لبعض الورثة بما لا يملكه دون سائرهم، وذلك فهو ما زاد على الثلث، فأما الثلث الذي هو أملك به فيهم ففعله جائز فيه، وحكمه ماض عليه يوصي به لمن يشاء من قريب أو بعيد؛ لأن الله قد أطلق أن يوصي به لمن يشاء، وصلة الرحم القريبة أولى إلى الله من صلة الأجنبي ... ، وليس يخرج قوله: «لا وصية لوارث» ولا يجوز عليه إلا على ما قلنا من أنه لم يجزها فيما لا يملك مما زاد على الثلث.
وقد اقتصرت على رأي الإمام الهادي #؛ لأن كلامه حجة في هذا وفي غيره، انظر: كتاب الأحكام: الإمام الهادي يحيى بن الحسين. (٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣). تتمة الروض النضير. (٥/ ١٥٨ - ١٧١)، نيل الأوطار (٦/ ٣٣ - ٤١)، جامع البيان (٣/ ٦٠٥) وما بعدها.
(٤) أي الإمام الهادي للحق يحيى بن الحسين، أخو المؤلف، وقد سبقت الإشارة في الحاشية السابقة.