[ناسخ ومنسوخ الطعام]
  فهذا ما اختلف فيه مما ذكرنا من التأويل في الزّمنى، وأمّا قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يعني ما كان لهم لا لغيرهم، وقد قال قوم: أو لهم فيه شرك، وقد قال آخرون: إن ما ذكر الله من هذا كله إباحة منه لطعام الأقارب خاصةً، وإن لم يأذنوا فيه، وكان من حجتهم أنهم زعموا: إذا جاء الإذن حل به طعام القريب والبعيد(١).
  قال عبد الله بن الحسين ª: وهذه الأقاويل عندنا فاسدة، لا يلتفت إلى شيء منها؛ لأنه لو جاز أن يكون مال القريب للقريب مباحاً جاز أن تكون أموال الناس للأعمى والأعرج والمريض مباحة؛ لأنهم المقدمون في الآية وبهم افتتح الكلام، وقد ذكرنا ما أبيح لهم من ذلك، وهذا مما لا يجوز عندنا ولا يصلح أن تكون أموال الناس مباحة، والمعنى عندنا والذي به نأخذ في هذه الآية: أن الله لما أنزل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}(٢) [البقرة: ١٨٨] كف المسلمون عن أكل بعضهم عند بعض كما ذكرنا في أول القصة فنزلت الرخصة والإذن ناسخة لذلك، والتغليظ الأول لا يجوز عندنا أن يأكل أحد من مال أحد إلاَّ بإذنه، وإنما كان السبب ما ذكرنا. والله أعلم.
  (فهذا ما عندنا من ذكر ما نسخ)(٣) من الطعام وقد تأول قوم تأويلاً أعوراً لا يصلح [إذ] قالوا: إنما هذا؛ لأن الأعمى لا يأكل طيب الطعام كما يأكله غيره ممن يبصر، فأباح الله لمن يأكل معه ذلك ولم يجعل فيه حرج(٤)، وليس هذا بشيء؛ لأن الله كان
(١) قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} فيه ثلاثة أقوال:
أنه الوكيل، لا بأس إن يأكل اليسير، وهو معنى قول ابن عباس.
بيت الإنسان مملكه، وهو معنى قول قتادة.
بيوت العبيد، قاله الضحاك. انظر: زاد المسير لابن الجوزي (٦/ ٦٥)، تفسير القرطبي (١٢/ ٣١٥)، تفسير ابن كثير (٣/ ٥٠٣).
(٢) بعد قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا} نهاية [٩٠ ب - ب].
(٣) ورد في الأصل: فهذا عندنا ذكر ما نسخ.
(٤) في (ب): عليه.