الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم،

عبد الله بن الحسين الرسي (المتوفى: 300 هـ)

[ناسخ ومنسوخ الطعام]

صفحة 133 - الجزء 2

  مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إلى آخر الآية، وزعم قوم أن الله سبحانه إنما أراد بذكر الأعمى والأعرج والمريض أنه قد وضع الجهاد عنهم⁣(⁣١)،⁣(⁣٢) ثم استأنف الكلام فقال: {وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الآية إلى آخرها، وزعموا أن أهل الجاهلية كان أحدهم يقول: والله لا أحلب لبناً حتى أجد من أسقيه إياه، ولا آكل طعاماً حتى يكون عندي من يأكل معي، ويقول: والله لا آكل طعام أحد (تكرماً وتنزهاً)⁣(⁣٣)، قريباً كان أو بعيداً فأنزل الله سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا [٣١ ب - أ] جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ...} الآية⁣(⁣٤)


(١) اختلف المفسرون في المعنى الذي رفع لأجله الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، فقال عطاء الخراساني وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم يقال: أنها نزلت في الجهاد، وجعلوا هذه كالتي في سورة الفتح {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ ...} الآية (١٧) وتلك في الجهاد لا محالة، أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم. كما قال الله تعالى في سورة براءة وهي قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى ...} الآية (٩١)، تفسير ابن كثير (٣/ ٥٠٢)، ... فالآية التي في سورة براءة: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} تخبرنا بأن فرض الجهاد عن الضعفاء ساقط، والضعيف هو الصحيح في بدنه، العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد، مثل: الشيوخ والصبيان والنساء، ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفاً نحيفاً، ثم عطف سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ} وهنا المعطوف مغاير للمعطوف عليه، والمرض يدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة، وكل من كان موصوفاً بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو، أمَّا الآية (١٧) من سورة الفتح وهي قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ ...} الآية فتوضح حال أهل الزمانة والأعذار في التخلف عن الجهاد، وهي أعذار واضحة في جواز الترك للجهاد؛ لأن أصحابها لا يقدرون على الكر والفر، فالأعمى لا يستطيع الإقدام على العدو والطلب له، وكذا لا يمكنه الاحتراز منه والهرب، وكذلك الأعرج والمريض، وفي معنى الأعرج: الزَمن المقعد والأقطع، وفي معنى المريض: صاحب السعال الشديد والطحال، والذين لا يقدرون على الكر والفر، فهذه أعذار مانعة من الجهاد، ظاهرة، وهناك غير ما ذكر كالفقر، وقد قدم الأعمى على الأعرج؛ لأن عذر الأعمى مستمر لا يمكن الانتفاع به في حرس ولا غيره بخلاف الأعرج؛ لأنه يمكن الانتفاع به في الحراسة ونحوها، وقدم الأعرج على المريض؛ لأن عذره أشد من عذر المريض لإمكان زوال المرض عن قريب. انظر: تفسير الخازن (٢/ ٣٩٥)، (٤/ ١٥٩).

(٣) في (أ، ج) تكرماً منهم وتنزهاً.

(٤) الآية نزلت في بني ليث بن عمرو، وهم حي من كنانة، كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفاً يأكل معه فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يأتي من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحداً أكل، وقيل: نزلت في قوم من الأنصار، وقال ابن عباس: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى الطعام فيقول: والله إني لأجنح أي أتحرج أن آكل معك، وأنا غني وأنت فقير فنزلت هذه الآية. تفسير الخازن، (٣/ ٣٠٦)، أسباب النزول، للواحدي ص (٢٤٩ - ٢٥٠).