الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم،

عبد الله بن الحسين الرسي (المتوفى: 300 هـ)

[ما يخفيه المرء في نفسه ويعلنه]

صفحة 142 - الجزء 2

[ما يخفيه المرء في نفسه ويعلنه]

  قال عبد الله بن الحسين ª: ومما ذكر في مؤاخذة الله للعباد بما يُسّرون وما يعلنون، وناسخ ذلك ومنسوخه [٣٥ ب - أ] ومحكمه.

  قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}⁣[البقرة: ٢٨٤] فاختلف الناس في هذه الآية وفي تأويلها وفي ناسخها⁣(⁣١)، فقال قوم: تأويلها من شك في الله علانية أو سراً حاسبه بذلك أو أيقن به علانية أو سراً جزاه الله بذلك، وقال آخرون: إنها نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها، وإن الله تعالى يثيب على إقامتها ويحاسب على كتمانها، وقد بلغني من حيث أحب [٦٧/ ٢] أنها لما أنزلت هذه الآية جاء الناس إلى النبي ÷ في جمع من أصحابه المهاجرين والأنصار فقالوا: يا رسول الله، ما نزلت آية أشد علينا من هذه، وإن أحدنا ليحدث نفسه، بأشياء ما يحب أن له الدنيا وما عليها وأن ذلك يثبت في نفسه فأنزل الله عند ذلك توسيعاً لهم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}⁣[البقرة: ٢٨٥] إلى آخر السورة [٩٤ أ - ب]، والقول عندي - والله أعلم - إن الآية محكمة، وإن الآية التي ذكروا محكمة ولكل تأويل ومعنى، وإن الله سبحانه يحاسبهم فيه بالشك والارتياب وفي رسوله فيما أعلنوه من ذلك أو أسروه إذا كانوا عالمين به معتقدين له، وأما ما سوى ذلك مما يحدثون به أنفسهم فإنه بلغني من حيث أثق عن النبي ÷ أنه قال: [٦٨/ ٢] «عفى الله لأمتي ما تحدث به أنفسها حتى تفعله»⁣(⁣٢) والدليل على ما قلنا به من هذا القول: قول الله ø: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا


(١) انظر: النحاس ص (٨١ - ٨٣)، نواسخ القرآن (٩٦ - ١٠٣)، هبة الله ص (٩٧ - ٩٨)، ابن حزم ص (٣٠)، مجمع البيان تفسير الطبري (٣/ ٣٨٤ وما بعدها) التبيان لابن أبي النجم، عقود العقيان (٢/خ)، الدر المنثور (١/ ٣٧٣ - ٣٧٧)، جامع البيان (٣/ ١٤٢ - ١٥١)، تفسير الخازن (١/ ٢١٧ - ٢١٩)، زاد المسير (١/ ٣٤٢ - ٣٤٤)، تفسير الرازي (٣/ ١٠٣ - ١٠٥).

(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه رقم (٢٠٤٤) (١/ ٦٥٩) عن ابي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها، مالم تعمل به أو تتكلم به وما استكرهوا عليه»، وعند أبي داود رقم (٢٢٠٩) (٢/ ٢٦٤) أن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها، انظر: المسند: (٢/ ٤٢٥، ٣٩٣، ٤٨١)، ٥/ ٤٧٤) عن أبي هريرة.