[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  وأمّا هذه الآية فقد اختلف الناس في تأويلها على فرق كثيرة: منهم من قال هي: موقوفة(١) حتى يعمل بها في آخر الزمان، وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا في وقتنا هذا، ومنهم من قال: تأويلها يوم القيامة وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض لازم(٢)، ومنهم من قال: قد مضى تأويلها وإنما كانت في أول الإسلام، وقبل أن يؤمر محمد ÷ بالجهاد، وتأويلها عندنا، والذي به نقول ونعمل أنها في أهل الكتاب الذين أعطوا الجزية وأقروا بالذل والصغار، وجرت عليهم الأحكام في الدار، وأنه لا يجب إكراههم على الإسلام؛ لأن الذمة وقعت لهم من النبي ÷ على تركهم على كفرهم، وأن هذه الآية كانت فيهم على عهد رسول الله ÷ وذلك أن المؤمنين [٣٨ أ - أ] كانوا يدعونهم إلى الإسلام، ويشد عليهم كفرهم، فأنزل الله هذه الآية، فأمّا غيرهم من أهل الشرك والكتب الذين لم يعطوا الجزية ويلزموا نفوسهم الذل والصغار، ومن كان أيضاً يعمل بالمعاصي من أهل دار محمد ÷ ممن ينتحل الإسلام فالواجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ودفعه عن الظلم والمعاصي بما قدر عليه من يد ولسان.
  قال رسول الله ÷ [٧٠/ ٢]: «ما من قوم يكون بين ظهرانيهم من يعمل بالمعاصي فلا يغيروا عليه إلاَّ أصابهم الله بعقاب»(٣)، وقال ÷ [٧١/ ٢]: «ما آمن
(١) موقوفة: أي موقوف العمل بها إلى زمن آخر، والحديث الموقوف: هو ماروي عن الصحابة من قول له أو فعل أو تقرير متصلاً كان أو منقطعاً. واشترط بعضهم أن يكون متصل الإسناد إلى الصحابي غير منقطع، ويستعمل الموقوف في غير الصحابي مقيداً، وفقهاء خراسان يسمون الموقوف أثر، والمرفوع خبراً. ويطلق المحدثون على هذا أثراً.
(٢) انظر: تصفية القلوب للإمام يحيى بن حمزة ص (٤٥٦ - ٤٨٣)، منتخب كنز العمال (١/ ١٧٦ - ١٨٦)، السنن الكبرى للبيهقي (١٠/ ٨٩ - ٩٥)، الترغيب والترهيب (٣/ ٢٢٣ وما بعدها).
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٩١) والإمام أبو طالب في أماليه ص (٢٩٨)، وابن حبان (٨٣٩ و ١٩٤٠)، وأحمد في المسند (٤/ ٣٦١، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٦)، وأبو داود في سننه (رقم ٤٣٣٩)، وابن ماجة (رقم ٤٠٠٩)، وأبو يعلى (٣٥٩/ ١)، وعبد الرزاق (٢٠٧٢٣)، والطبراني في الكبير (٢/ ٢٣٨٠ - ٢٣٨٥)، والهندي في منتخب كنز العمال (٢/ ١٧٩)، وابن حبان في صحيحه، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٢٢٩ - ٢٣٠).