[الصيام بين الجاهلية والإسلام]
  فقام آخرون فشكوا(١) إلى النبي بمثل مَا شكى عمر، فنزلت الآية: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ}. وكان ممن فعل مثل ذلك كعب بن مالك(٢) الأنصاري [٥ أ - أ]، وكان أيضاً شيخاً من الأنصار كبير السن يقال له: صرمة بن مالك(٣) جاء إلى أهله عشاء، وهو صائم فدعا بعشائه.
  فقالوا: امهلنا حتى نصنع لك طعاماً سُخْناً تفطر عليه، فوضع الشيخ رأسه فنام فجاؤوه بطعامه(٤)، فقال: قد كنت نمت، فلم يطعمه، فبات ليلته يتصلق(٥) ظهراً وبطناً، فلما أصبح أتى إلى رسول الله ÷ فأخبره بخبره فأنزل الله [٦٤ ب - ب] سبحانه هذه الآية التي ذكرت أنها نسخت ما قبلها، وقال فيها: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧].
  فلما أن تلى رسول الله ÷ الآية قام(٦) إليه رجل فقال: يا رسول الله، رأيت
(١) في (أ): وقام آخرون وشكوا.
(٢) هو: كعب بن مالك بن أبي كعب، عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي العقبي الأُحدي، شاعر الرسول ÷ وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خُلِّفوا، فتاب الله عليهم، شهد العقبة، وله عدة أحاديث تبلغ الثلاثين، اتفقا على ثلاثة منها وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. انظر: سير أعلام النبلاء. (٢/ ٥٢٣)، الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (٣/ ٣٢٢) ت (٧٥٢٤)، أسد الغابة (٤/ ٢٤٧ - ٢٤٨).
(٣) هو: صرمة بن مالك، ترجم له في الإصابة، فقال: هو صرمة بن قيس، وقيل: صرمة بن مالك، وصرمة بن أنس، وقيس بن صرمة، وقيل خلاف ذلك، كان شيخا كبيرا، وقد ورد الحديث السابق الذي استدل به، وساق بعض الأحاديث الأخرى. انظر: الإصابة، (٢/ ١٨٣ - ١٨٤). ت (٤٠٦٢)، وينظر: هبة الله بن سلامة ص (٨٣ - ٨٤)، نواسخ القرآن ص (٦٣) حول ما ذهب إليه المؤلف من أن أحدهم صرمة، وقد ذكر قصة صرمة بن قيس تفصيلاً الخازن في تفسيره (١/ ١١٧)، كما ترجم له في أسد الغابة، وذكر القصة المذكورة (٣/ ١٧ - ١٨).
(٤) في (ب): فجاءه الطعام.
(٥) تصلق: تقلب وتلوى على جنبيه.
(٦) في (ب): فقام.