[الإطاقة ومتى تجب الفدية ولمن]
  وقالت الفرقة الأخرى: أن هذه الآية محكمة، يعنون الأولى ليست بمنسوخة، وإنما أراد الله [٥ ب - أ] بقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ (لا) يُطِيقُونَهُ} فحذف (لا) استخفافاً، وكذلك العرب [٦٥ أ - ب](١) تحذفها، وهي تريدها، وتصل بها الكلام وهي لا تريدها.
  قال الله ø في صلتها وهو(٢) لا يريدها: {لئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ألاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد: ٢٩].
  وقال الشاعر:(٣)
  بيوم جدود لا فضحتم أباكم ... وسالمتم و الخيل تدمي شكيمها
(١) مذهب المفسرين في معنى {الذي يطيقونه ...}، على قولين:
الأول: أن المراد بالذين يطيقونه: هم الشيخ الكبير والعجوز اللذان لايطيقان الصوم، أو يطيقانه بمشقة، وعلى جهد، أو المراد بهم: هذان، والحامل والمرضع اللتان تخافان على نفسيهما أو ولديهما إن صامتا، والمريض الذي لايرجى برؤه.
وأصحاب هذا المذهب يختلفون في تفسير الإطاقة، فيرى بعضهم أنها القدرة على الفعل دون الجهد، ومن ثم يقدرون هنا محذوفا هو: (لا) النافية، أو (كانوا)، ويرى بعضهم أن الإطاقة هي: القدرة مع جهد ومشقة، فليست هي القدرة دون جهد كما يرى الآخرون، وكما تقرر معاجم اللغة، وهؤلاء لا يرون حاجة إلى تقدير محذوف؛ لأن المشقة هي العذر المبيح للفطر في نظرهم.
الثاني: أن المراد بالذين يطيقونه في الآية هم فريق من المرضى والمسافرين، لايشق عليهم الصيام، ولهم مع هذا رخصة الإفطار. انظر: النسخ في القرآن الكريم. مصطفى زيد (٢/ ٦٤١ - ٦٤٣)، الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢/ ٢٠ - ٢٢)، تفسير الخازن (١/ ١١١)، تفسير الرازي (٢/ ٢٤٧ - ٢٤٩)، جامع البيان (٢/ ١٣٨ - ١٤٦)، شافي العليل (١/ ١٧٨ - ١٧٩).
(٢) في (ب): وهي.
(٣) لم أقف عليه بلفظ: (لافضحتم) وإنما بلفظ: (قد فضحتم) وقد عزاه صاحب كتاب (معجم البلدان) (٣/ ١٦٠) إلى قيس بن عاصم المنقري، والجدود في اللغة: النعجة، التي قلّ لبنها من غير بأس، ولايقال للعنز، وهو اسم موضع في أرض بني تميم، قريب من حزن بني يربوع على سمت اليمامة، فيه الماء الذي يقال له: الكلاب، وكانت فيه وقعتان مشهورتان عظيمتان من أعرف أيام العرب، وكان اليوم الأول منها غلب عليه يوم جدود، وكان لتغلب على بكر بن وائل، وفيه قال قيس بن عاصم المنقري:
جزى الله يربوعا بأسوأ صنعها ... إذا ذكرت في النائبات أمورها
بيوم جدود قد فضحتم أباكم ... وسالمتم والخيل تدمي نحورها
معجم البلدان، (٢/ ١١٤).