[الإطاقة ومتى تجب الفدية ولمن]
  فقالوا: رجل صائم.
  قال: «ليس البر أن تصوموا في السفر»(١).
  والحجة (في هذا)(٢) عندنا قوية كبيرة. قال الله سبحانه في مثل هذا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] [٦ ب - أ]. فمن اليسر أن لا يكلف أحد إلاَّ طاقته، والدين كله يسر لا عسر فيه.
  وقالت الفرقة الثالثة: أنه ليس على الشيخ الكبير فدية، ولا على الشيخة، وقالوا: إن استطاع الصوم صام، وإن لم يستطع أفطر، ولا شيء عليه(٣).
  وممن رَوَى عنه هذا أنس بن مالك، وقالوا: إنما أوجب الله الفدية قبل النسخ على المطيقين دون غيرهم، وخيرهم بين أن يصوموا أو يطعموا.
  فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤]، ثم نسخ الفدية عنهم وألزمهم الصوم، وسكت عمن لا يطيق فلم يذكره في الآية، فصار فرض الصيام زائلاً عمن لا يطيقه كما زال فرض الحج عمن لا يطيقه، وكما زالت الزكاة [٦٦ ب - ب] عن المعدمين.
  قال عبد الله بن الحسين ª: وهذا عندي قول فاسد، قاسوه على غير قياس؛ لأن الزكاة والحج لا يقاسان بالصيام، فرَّق الله بين ذلك في كتابه، وفرقته
(١) الحديث أخرجه البخاري (٤/ ١٦١) ومسلم (١١١٥) وأبو داود (٢٤٠٧) والنسائي (٤/ ١٧٦) من حديث جابر بن عبد الله، وأخرجه من حديث أبي مالك كعب بن عاصم الأشعري: أحمد (٥/ ٤٣٤)، والنسائي (٤/ ١٧٤)، والطيالسي (١/ ١٩٠) والشافعي (١/ ٢٦٧) والدارمي (٢/ ٩) وابن ماجة (١٦٦٤) والبيهقي (٤/ ٢٤٢)، وصححه الحاكم (١/ ٤٣٣)، ووافقه الذهبي. وأخرجه من حديث ابن عمر: ابن ماجة (١٦٦٥) وصححه ابن حبان (٩١١)، وأخرجه من حديث ابن عباس: البزار (٩٨٥) وأورده الهيثمي في (المجمع) (٣/ ١٠٦) وقال: رواه البزار والطبراني في (الكبير) ورجال البزار رجال الصحيح.
(٢) ساقط في (أ، ج).
(٣) ممن ذهب إلى أنه لا فدية على الشيخ الكبير والعاجز عن الصوم، إما لكبر سنه أو مرضه: مكحول ومالك وربيعة وأبو ثور، ودليلهم في ذلك: أن الصوم قد سقط عنه فلم تجب عليه الفدية كالصبي والمجنون. انظر: شرح المهذب للنووي (٦/ ٢٨٤).