[نكاح الكتابيات]
  وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة: ٥]، وقال آخرون: إنها محكمة، والقول عندنا: إنها محكمة(١) وليست بمنسوخة، وأنّ معنى الآية: أن الله سبحانه إنما أباح نكاحهن بعد إيمانهن لا ما دُمن على كفرهن ولا تمييز عندنا [٨ أ - أ] بين أهل الكتاب، ولا بين المشركين في النكاح كلهم أهل شرك(٢).
(١) انظر: الأحكام (١/ ٣٠٧ - وما بعدها)، عقود العقيان (٢/خ)، التبيان لابن أبي النجم، شافي العليل للنجري (١/ ٢٤٠ - وما بعدها)، الطبرسي (٦/ ٣٢ - ٣٣)، القرطبي (٦/ ٧٩) (٣/ ٦٩ - وما بعدها) (٥/ ١٢٠)، جامع البيان (٤/ ٤٤٤ - ٤٤٩).
(٢) اختلف العلماء حول آية البقرة (٢٢١) والآية (٥) من سورة المائدة، وفيما يلي نورد بعض الإيضاحات حول ذلك:
قال القرطبي في تفسيره: واختلف العلماء في تأويل هذه الآية (٢٢١) من سورة البقرة - فقالت طائفة: حرم الله نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب، فأحلهن في سورة المائدة.
وأما تفسير الآيتين فاَلمأثور عن أئمة المفسرين في المراد بالمشركات يتمثل في الأقوال الثلاثة الآتية:
أولاً: وهو مروي عن ابن عباس بسند صحيح أن المراد بهن كل مشركة من أي أجناس الشرك كانت: عابدة وثن، أو يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو صابئة وأصحاب هذا القول هم الذين حاولوا التوفيق بين آية البقرة وآية المائدة.
ثانياً: وهو مروي عن قتادة بسند صحيح، وعن سعيد بن جبير بسند ضعيف - أن المراد بالمشركات مشركات العرب خاصة، فهو لفظ عام أريد به خاص. والآية (٢٢١) من البقرة على هذا التفسير لم ينسخ منها شيء، ولم يستثن.
ثالثاً: وهو مروي عن ابن عباس بطريق شهر بن حوشب - أن المراد بالمشركات كل مشركة من أي أصناف أهل الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة - ولعل مصدر الرأي الذي ذهب إليه بعض المفسرين من أن آية البقرة ناسخة لآية المائدة، وليست منسوخة بها - هي لرواية ابن حوشب عن ابن عباس.
ويمكن توضيح الأقوال أو المذاهب في العلاقة بين الآيتين على النحو التالي:
أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة. بحجة أن آية المائدة أحلت بعض النساء، وكن حراماً بمقتضى آية البقرة.
أن الآيتين محكمتان؛ لأن آية البقرة في المشركات من غير أهل الكتاب وآية المائدة في الكتابيات خاصة.
أن آية البقرة هي الناسخة؛ لأن الكتابيات اللائي أحلتهن آية المائدة بمنطوقها - حرمتهن آية البقرة بنهيها عن المشركات عامة. وحجة هذا القول - كلمة ابن عباس، وقول ابن عمر (حرم الله المشركات ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى، أو عبد من عباد الله)
وأما نكاح أهل الكتاب، فقال القرطبي: إذا كانوا حرباً فلا يحل، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا يحل. وتلا الآية (٢٩) من سورة التوبة، وكره مالك تزوج الحربيات، كما اختلف العلماء في نكاح إماء أهل الكتاب فقال مالك: لا يجوز نكاح الأمة الكتابية، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز نكاح إماء أهل الكتاب.
انظر: تفسير القرطبي (٣/ ٦٦ - ٧٣)، زاد المسير في علم التفسير (١/ ٢٤٦ - ٢٤٧)، تفسير ابن كثير، =