مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[معرفة أسباب المحبة]

صفحة 195 - الجزء 1

  والشرب والنكاح وغيرها، فهذه المحبة لا يحس الأمر بها ولا النهي عنها ولا يستحق عليها عقاب ولا ثواب؛ لعدم التمكن من تحصيل السبب ومن تجنبه فتأمل ذلك ولا تستبعده، فإن له نظائر كما ذكره أمير المؤمنين # في عهده للأشتر⁣(⁣١) حيث قال: (فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله سبحانه)⁣(⁣٢) [فذكر # أن تلك غرائز، وأن سببها سوء الظن بالله سبحانه وتعالى]⁣(⁣٣)، ولهذا حس النهي عنها والعقاب عليها لما كان صاحبها متمكناً من تحصيل سببها ومن تجنبه وهو سوء الظن بالله سبحانه.

  فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورحمة}⁣[الروم: ٢١]؟

  قلت وبالله التوفيق: إنه سبحانه يجعل أسباب المودة كالشباب والحسن ونحوهما كجعله للنار التي هي سبب لحس⁣(⁣٤) حراراتها وأنت متمكن من مقاربة ذلك، ومن قطع العلائق بينك وبينه ضرورة.

  فإن قيل: فما معنى قوله ÷: «جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها»⁣(⁣٥)؟

  قلت وبالله التوفيق: لا شك أن القلوب مجبولة على ذلك كما أن الأجساد مجبولة على حس حرارة النار وحس برودة الثلج وذلك لا ينافي الاختيار⁣(⁣٦) كما تقدم تحقيقه.


(١) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي، المعروف بالأشتر: أمير، من كبار الشجعان، كان رئيس قومه، شهد الجمل وصفين مع الإمام علي، توفي سنة ٣٧ هـ. (الأعلام ٥/ ٢٥٩).

(٢) نهج البلاغة (٣/ ٨٧).

(٣) ما بين المعكوفين: زيادة في (ب).

(٤) في (أ): الحس.

(٥) سبق تخريجه.

(٦) في (ب): الأخبار.