مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[من يعذر عن الهجرة]

صفحة 228 - الجزء 1

  وقال السائل: وهل من جملة الأعذار عن الهجرة من له ضيعة ودار في بلده لم يقع له فيهما من الثمن لوباعه إلا دون ما يرغبه، ولم تسمح نفسه بذلك؛ لأنه لايحصل له بذلك الثمن في الموضع الذي يهاجر إليه إلا دون الذي باعه من أرضه وداره أو كان ثم مانع من اكتساب الأموال، وحينئذ يخشى الإنسان أن يشتغل بأمر معيشته فيقع في الطاعات تقصير بسبب ذلك، وطاعته في بلاده أكمل لانتفاء مثل ذلك؟

  والجواب والله الموفق: أن جميع ما ذكره السائل ليس يعذر⁣(⁣١) عن الهجرة؛ لأن الله لم يستثن إلا من كان لايستطيع حيلة ولا يهتدي إلى الهجرة سبيلاً كما تقدم بيانه.

  وأما المال فقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ...} إلى قوله تعالى: {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ ...}⁣[التوبة: ٢٤] الآية، أي من الله وطاعته، ومن رسول⁣(⁣٢) الله وطاعته؛ لأن المحبة تستلزم الطاعة بدليل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ...}⁣[آل عمران: ٣١] الآية.

  ويروى لعلي # شعر وهو قوله [كرم الله وجهه في الجنة]⁣(⁣٣):

  تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع

  لو كان حُبُّك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يُحِب مطيع

  ومن جملة طاعة الله الهجرة كما تقدم الدليل على ذلك، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ١٥


(١) في (ب): بعذرٍ.

(٢) في (ب): ومن رسوله.

(٣) ما بين المعكوفين: سقط من (أ).