مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[إجماع أهل البيت $ على حرمة إعانة الظالم على إقامة معروف يؤدي إلى قوة ظلمه]

صفحة 333 - الجزء 1

  دفعهم إلا به، كما قصد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الخبر بعينه؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهذا من ذلك.

  وأما ما كان يؤدي إلى قوة ظلم الظالمين، واستمرار دولتهم فليس في هذا الخبر شيء من الدلالة على جواز ذلك فتأمل.

  فإن أبيت هذا المعنى فاعلم أن في الرواية المشهورة ما معناه أن أهل المدينة قالوا: يارسول الله أهذا أمر من الله؟ أم رأي رأيته؟

  فقال: «ليس هذا بأمر من الله، ولكنه رأي رأيته»، فإذا كان كذلك، والأمر على ما تزعم من جواز تسليم ما يقوي أعضاد الظلمة فلا يصلح دليلاً؛ لأنا لم نعلم أيقره الله على ذلك ويبيح للناس به معاونة الظالمين؟ أم لا يقره؟

  فنقول: كما قال الله تعالى: {عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}⁣[التوبة: ٤٣] لأنه قد ذكر ÷ أنه لم يكن لله في ذلك أمر، فإذا كنا لا نعلم ما حكم الله تعالى فيه؟ فكيف نعتمد عليه؟ ونترك قوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}⁣[المائدة: ٢] وما وافقه من الأدلة القطعية، وهل ذلك إلا ضلال!

  وقالوا: قد ذكر العلماء جواز تسليم معتاد الرصد، وهذا مثله!

  قلت وبالله التوفيق: إن معتاد الرصد إنما جعل لحفظ الطريق عن اللصوص، وعن منع المارة بخلاف ما يعطى سلاطين الجور، فإنه لتقويتهم على الفساد في الأرض بغير الحق، وتجييش حزب الشيطان، وبثهم في الآفاق لسفك الدماء وأخذ أموال الناس بالباطل، فالفرق بحمد الله بيّن، والقياس باطل.