[قول بعض الفقهاء بعدم جواز الاجتهاد والرد عليهم]
  الأخيار كما قد سبق لهم [في ذلك](١) أسلاف كالرافعي(٢)، والنواوي(٣)، وابن الصلاح، فإنهم استبعدوا وقوع الاجتهاد في الأعصار المتأخرة.
  قال ابن العراف: قال أئمة الدين وأرباب الورع كالرافعي وغيره: الناس في هذا الوقت مجمعون على أنه لا مجتهد مستقل، وعزيز وجود المجتهد المقلد، - يعني به مجتهد المذهب -، وهو المخرِّج على مذهب إمامه، وما أبعد ما قالوا؛ لأن الله سبحانه يقول(٤): {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ٤٣ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ}[النحل: ٤٣ - ٤٤]، وهذا خطاب عام للمكلفين في كل عصر من الأعصار؛ لقوله تعالى: {لأِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩]، وهذا دليل واضح على أنه لا بد من مجتهد في كل عصر؛ لأن المصنفين ممن مضى لم يستغرقوا كل الأحكام في مصنفاتهم، لو قيل: إن أتباعهم هم أهل العلم بالبينات والزبر، مع أن ذلك في غاية السقوط والبطلان؛ لأن المقلد غير عالم بما قلد فيه وإنما معه ظن فقط، فلمّا لم يكونوا مستغرقين لجميع الأحكام في مصنفاتهم وجب أن يكون ممن(٥) يتمكن من معرفة ما عدا ذلك، ليجيب السائلين الذين أمرهم الله بسؤال أهل الذكر وإلا اختل معنى الآية وفائدتها، وقولهم بالاختلال أحق وأولى؛ لأنها(٦) من جملة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ولأنها قول الله، والله يقول الحق وهو
(١) ما بين المعكوفين: سقط من (أ).
(٢) هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي، أبو القاسم الرافعي القزويني: فقيه، من كبار الشافعية، كان له مجلس بقزوين للتفسير والحديث، توفي فيها سنة ٦٢٣ هـ. (الأعلام ٤/ ٥٥).
(٣) هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي، أبو زكريا، علامة بالفقه والحديث، مولده ووفاته في نوا من قرى حوران، بسورية وإليها نسبته، توفي سنة ٦٧٦ هـ. (الأعلام ٨/ ١٤٩).
(٤) في (ب): قال.
(٥) في (أ): من.
(٦) أي الآية - تمت هامش (أ)، (ب).